قال علماء من مؤسسات بحثية أوروبية بارزة، اليوم الأربعاء، إن موجة الحر الشديدة التي ضربت أوروبا في أواخر يونيو/حزيران وأوائل يوليو/تموز أسفرت عن وفاة 1500 شخص إضافي في 12 مدينة، نتيجة مباشرة لتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة الناجم عن النشاط البشري.
وأكدت الدراسة الجديدة أن تغير المناخ لعب دورًا حاسمًا في تضخيم آثار موجة الحر الأخيرة، والتي شهدت فيها مساحات شاسعة من القارة الأوروبية ارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة، ما تسبب في تعريض ملايين الأشخاص لمخاطر صحية جسيمة.
وخلصت الدراسة، التي أعدها علماء من إمبريال كوليدج لندن وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي، إلى أن درجات الحرارة في 11 من أصل 12 مدينة أوروبية خضعت للتحليل، كانت ستكون أقل بنحو درجتين إلى أربع درجات مئوية لولا تأثير الاحتباس الحراري الناتج عن البشر.
الوفيات ترتفع مع الحرارة
وبحسب نتائج التحليل السريع الذي نُشر اليوم، فإن ما يقرب من 2300 وفاة إضافية تم تسجيلها بسبب الحرارة خلال الموجة الأخيرة، 1500 منها على الأقل تُعزى مباشرة إلى تغيّر المناخ. ويُعتقد أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، نظرًا لعدم التبليغ عن غالبية الوفيات الحرارية، خصوصًا في صفوف كبار السن.
وقالت فريدريك أوتو، عالمة المناخ المشاركة في قيادة البحث: “تغيّر المناخ هو عامل التغيير المطلق عندما يتعلق الأمر بالحرارة الشديدة. ثلثا هذه الوفيات كان يمكن تجنبها في عالم لم يتغير مناخيًا”.
وسجلت الدراسة أعداد الوفيات في عدد من المدن: ميلانو (317)، برشلونة (286)، باريس (235)، لندن (171)، روما (164)، مدريد (108)، أثينا (96)، بودابست (47)، زغرب (31)، فرانكفورت (21)، لشبونة (21)، وساساري في سردينيا (6 وفيات).
وأوضح غاريفالوس كونستانتينوديس، أحد الباحثين في إمبريال كوليدج: “ما توصلنا إليه لا يمثل سوى لمحة بسيطة عن حجم الوفيات الحقيقية المرتبطة بدرجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن تغيّر المناخ في أوروبا، والتي قد تصل إلى عشرات الآلاف”.
“القاتل الصامت”
وصف العلماء موجات الحر بأنها “القاتل الصامت”، بسبب طبيعتها غير الظاهرة مقارنةً بكوارث أخرى مثل الفيضانات أو العواصف، رغم أنها أكثر فتكًا أحيانًا. وأشار الباحثون إلى أن موجة الحر الأخيرة قتلت أناسًا أكثر من معظم الفيضانات التي ضربت أوروبا خلال السنوات الأخيرة.
وكان عامل بناء في إيطاليا وعامل نظافة شوارع في إسبانيا من بين من فقدوا حياتهم خلال موجة الحر الأسبوع الماضي. إلا أن الغالبية العظمى من الضحايا هم من كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا، وهي فئة سكانية باتت تمثل تحديًا كبيرًا أمام الخطط الوقائية، لا سيما في ظل شيخوخة القارة الأوروبية.
تحذيرات مستقبلية قاتمة
حذّرت الوكالة الأوروبية للبيئة من أن الوفيات المرتبطة بالحرارة قد ترتفع عشرة أضعاف إذا ارتفعت حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وثلاثين ضعفًا إذا وصلت الزيادة إلى 3 درجات مئوية. حالياً، تشير التقديرات إلى أن درجة حرارة الأرض ارتفعت بالفعل بمقدار 1.3 درجة، وهي في طريقها إلى 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
موجات حر وغابات تشتعل
تسببت درجات الحرارة المرتفعة أيضًا في زيادة خطر اندلاع حرائق الغابات في أنحاء متفرقة من القارة. فقد قتل مزارعان في إسبانيا أثناء محاولتهما الهرب من ألسنة اللهب في الأسبوع الماضي، بينما استمرت الحرائق في الاشتعال في مناطق أخرى بسبب ظروف الجفاف وارتفاع درجات حرارة البحر الأبيض المتوسط.
ووفقًا للحكومة الإسبانية، فقد توفي أكثر من 450 شخصًا بسبب الحرارة بين 21 يونيو/حزيران و2 يوليو/تموز فقط، بزيادة تبلغ 73% مقارنة بنفس الفترة من عام 2022 الذي كان الأعلى من حيث الوفيات حتى الآن.
يونيو الأكثر سخونة في أوروبا الغربية
في غضون ذلك، أعلنت خدمة كوبرنيكوس لمراقبة المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، أن يونيو/حزيران 2025 كان خامس أكثر شهور يونيو حرارة في أوروبا على الإطلاق، والأكثر حرارة على الإطلاق في غرب القارة، متجاوزًا حتى الرقم القياسي لعام 2003.
وأشارت الخبيرة سامانثا بورجيس إلى أن “ارتفاع حرارة سطح البحر الأبيض المتوسط إلى مستويات قياسية ساهم في شدة موجة الحر، ما يعكس ما قد يُصبح الوضع الطبيعي الجديد في عالم يتجه نحو مزيد من السخونة”.
وأضافت: “في عالم دافئ، ستصبح موجات الحر أكثر تواتراً وشدة، وستؤثر على أعداد متزايدة من السكان في كل أنحاء أوروبا”.

