Site icon أوروبا بالعربي

فون دير لاين تنجو من تصويت حجب الثقة: انتصار بطعم التحذير

نجت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الخميس من أول محاولة جديّة لحجب الثقة عن إدارتها، بعدما أسقط البرلمان الأوروبي اقتراحاً قدّمه اليمين المتطرف للإطاحة بها.

وأظهرت نتائج التصويت في مقر البرلمان الأوروبي بستراسبورغ أن 360 نائباً صوّتوا ضد الاقتراح، مقابل 175 أيدوه، فيما امتنع 18 عن التصويت. ومن أصل 720 عضواً، حضر 553 نائباً جلسة التصويت التي كانت نتيجتها واضحة منذ البداية، إذ كان تمرير الاقتراح يتطلب تأييد 357 نائباً، وهو رقم لم يقترب منه معسكر اليمين المتطرف حتى في أفضل التقديرات.

لكن، رغم هذا الانتصار الرقمي المريح، خرجت فون دير لاين من المعركة السياسية وقد لحق بها بعض الضرر، إذ كشف التصويت حجم السخط المتصاعد على أسلوب إدارتها من أطياف سياسية مختلفة، حتى من داخل الائتلافات التي أوصلتها إلى السلطة.

جبهة معارضة عابرة للأحزاب

لم يقتصر الغضب على اليمين المتطرف، بل استغل مشرعون من أحزاب مختلفة التصويت للتعبير عن استيائهم من ملفات متراكمة، تراوحت بين اتهامات باحتكار السلطة والافتقار إلى الشفافية، مروراً بالتراجع عن أولويات الصفقة الخضراء الأوروبية، وصولاً إلى انتهاك الإجراءات المؤسسية للاتحاد الأوروبي.

وبرز في الكواليس توترٌ بين فون دير لاين وحلفائها التقليديين من الاشتراكيين والليبراليين، إذ لوّح الحزبان بالامتناع عن التصويت احتجاجاً على ما اعتبروه انحرافاً في توجه المفوضية نحو سياسات أكثر محافظة تميل إلى اليمين، على حساب القيم الاجتماعية والبيئية التي تعهدت بها الرئيسة في ولايتها الأولى.

لكن الليبراليين تراجعوا عن تهديدهم في اللحظة الأخيرة. وأكد متحدث باسم كتلة رينيو أن الكتلة لا تريد «اللعب بالنار» مع استقرار أوروبا عبر المساهمة في مساعي اليمين المتطرف لإسقاط المفوضية.

أما الاشتراكيون، فقد أبرموا تسوية مع فون دير لاين قبل ساعات من التصويت، إذ حصلوا منها على وعد بالإبقاء على الصندوق الاجتماعي الأوروبي ضمن ميزانية الاتحاد المقبلة. وقالت نائبة رئيس البرلمان الأوروبي كاتارينا بارلي إن هذه «هي الفرصة الأخيرة المطلقة» لفون دير لاين لاستعادة الثقة.

اليمين المتطرف يتوعد بالمزيد

ورغم فشل التصويت، اعتبره مقدمو الاقتراح خطوة إيجابية باتجاه إضعاف فون دير لاين. وقال النائب الروماني جورجي بيبيريا، من حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليميني، في تصريحات لصحيفة بوليتيكو، إنه توقع منذ البداية سقوط الاقتراح، لكنه رأى في تحركه «فتح باب المشاكل» أمام المفوضية.

وأضاف بيبيريا:

«هذا يثبت للجميع أن بالإمكان تحدي رئيسة المفوضية. أتوقع محاولات أخرى عدة في المستقبل.»

في المقابل، قلّل حزب الشعب الأوروبي، الذي تنتمي إليه فون دير لاين، من أهمية التصويت. وقال نائب رئيس الحزب سيغفريد موريشان ساخرًا: «حين نعود من العطلة الصيفية، سيكون الجميع قد نسي هذا الأمر تقريبًا.»

اختبار جديد أمام فون دير لاين

رغم الفوز، لا تبدو الطريق سالكة أمام فون دير لاين نحو ولاية ثانية دون مطبّات. فالتحالف الذي دعمها في ولايتها الأولى بات أقل تماسكاً، والمطالب تتزايد لإعادة المفوضية إلى مسارها الأصلي في القضايا الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، خصوصاً في ظل تزايد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في دول عدة داخل الاتحاد.

ويتوقع مراقبون أن تخضع فون دير لاين لضغوط متزايدة عند مناقشة ميزانية الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل الأسبوع المقبل، وهي ملف ساخن يشمل قضايا تمويل الصفقة الخضراء، والسياسات الاجتماعية، ودعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي.

ووسط هذا المناخ، يقول محللون إن فون دير لاين خرجت منتصرة من معركة حجب الثقة، لكنها تواجه تحدياً أصعب بكثير يتمثل في ترميم الثقة داخل البرلمان الأوروبي، وضمان بقاء تحالفها السياسي قائماً حتى نهاية ولايتها الحالية وربما لولاية جديدة.

ويبقى السؤال: هل يكفي انتصار اليوم لتبديد رياح الشك التي بدأت تهب على رئاسة المفوضية الأوروبية؟ أم أن تصويت الخميس كان مجرد جولة أولى في معركة سياسية مفتوحة؟

Exit mobile version