رئيسيشئون أوروبية

الاتحاد الأوروبي يواجه معضلة صعبة في مواجهة تهديدات ترامب التجارية

يقف الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق حرج في مفاوضاته التجارية مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ يواجه خيارًا صعبًا بين القبول باتفاق بعيد عن المثالية يضعه ترامب على الطاولة، أو المخاطرة بالسير نحو مواجهة تجارية قد تُكلّف الصناعات الأوروبية الرئيسية كثيرًا.

فبعد أشهر من المفاوضات الشاقة، تقدّمت واشنطن هذا الأسبوع بعرض تجاري يتضمن تثبيت التعريفات الجمركية الأساسية عند مستوى 10%، مع منح بعض الإعفاءات المحدودة لصناعات أوروبية مثل الطائرات والمشروبات الروحية. لكن العرض لا يزال يُبقي على تهديدات بفرض رسوم أعلى إذا لم تُحسم الصفقة بحلول الأول من أغسطس/آب المقبل.

وقال وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك في مقابلة مع قناة CNBC مساء الثلاثاء: “يُحسب للاتحاد الأوروبي أنه قدّم الآن عروضًا حقيقية ومهمة لفتح أسواقه الزراعية وغيرها. الرئيس لديه هذه الصفقات على مكتبه، وهو يفكر في كيفية استغلالها.”

لكن داخل أروقة المفوضية الأوروبية، لا يُنظر إلى الورقة الأميركية كـ«صفقة» حقيقية، بل كقرار أحادي الجانب قد يفرض واقعًا جديدًا للتجارة عبر الأطلسي ابتداءً من الشهر المقبل.

تهديدات ترامب

كان ترامب قد وجّه رسائل رسمية إلى 14 دولة، محذرًا من فرض تعريفات جمركية أعلى في حال عدم التوصل إلى اتفاق. وبينما تؤكد المفوضية الأوروبية أنها لم تتلق إخطارًا مماثلًا حتى الآن، ترى بروكسل في هذا التهديد مؤشراً على مدى هشاشة أي تهدئة مؤقتة في العلاقات التجارية مع واشنطن.

وقال ماروش شيفتشوفيتش، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، للبرلمان الأوروبي: “الأمر الحاسم هو أننا، حتى الآن، تجنّبنا زيادة في التعريفات الجمركية، بخلاف دول أخرى تلقت رسائل تهديد. الاتفاق المبدئي الذي نسعى إلى إبرامه ليس النهاية، بل بداية جديدة لاتفاقية تجارية شاملة مع الولايات المتحدة.”

معضلة بروكسل: القبول أم المواجهة؟

ومع اقتراب الموعد النهائي الذي أعلنه ترامب، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في مأزق. فإما القبول بعرض أقل من التوقعات، أو مواجهة احتمالية فرض رسوم عقابية قد تؤثر بشكل خطير على قطاعات صناعية أوروبية حساسة، مثل صناعة السيارات، والصلب، والألومنيوم، والأدوية.

قال بيرند لانغ، النائب الأوروبي المخضرم ورئيس لجنة التجارة السابقة في البرلمان الأوروبي: “إذا تلقينا رسالة من الولايات المتحدة، فعلينا مناقشة قبولها. لكن الاتفاق ليس فرضًا.”

وأضاف لانغ محذّرًا من تجارب دول أخرى مثل المملكة المتحدة وفيتنام، اللتين أبرمتا صفقات سريعة مع الولايات المتحدة، انتهت بمنح واشنطن مكاسب أكبر مما نالتاه هما.

حتى الآن، تعتمد أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، استراتيجية تقوم على الحذر والدفاع، معتبرةً أن الحفاظ على الهدوء والتفاوض بعيدًا عن الأضواء هو السبيل لتجنب الأسوأ. وقد اعتبرت أن هذه الاستراتيجية ناجحة، إذ لم يتلق الاتحاد الأوروبي حتى الآن تهديدات بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على الصادرات، مثلما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية.

البعد الأمني في المفاوضات

لكن خلف الكواليس، تدرك فون دير لاين وفريقها أن التوتر التجاري مع الولايات المتحدة لا ينفصل عن حسابات الأمن الأوروبي، خصوصًا في ظل العدوان الروسي المستمر على أوكرانيا. فقد لوّح ترامب مرارًا بأن فرض رسوم جمركية مشددة قد يترافق مع إعادة النظر في الالتزام العسكري الأمريكي تجاه الدفاع عن أوروبا وأوكرانيا.

هذا الارتباط بين الأمن والتجارة يزيد من تعقيد الموقف الأوروبي، ويدفع بعض الدول الأعضاء، مثل ألمانيا وإيطاليا، إلى الدفع باتجاه إبرام اتفاق سريع، حتى وإن كان على حساب بعض التنازلات.

تصعيد محتمل

في المقابل، لا يزال الاتحاد الأوروبي يحتفظ بخيارات للرد إذا مضت الولايات المتحدة في فرض رسومها. إذ أعلن وزير المالية الألماني لارس كلينجبيل أمام البرلمان الألماني (بوندستاغ) هذا الأسبوع أن الاتحاد الأوروبي مستعد لاتخاذ تدابير مضادة تطال واردات أمريكية بقيمة 21 مليار يورو.

ويتوقع مراقبون أن يُحسم الموقف في الأيام المقبلة، مع اقتراب اجتماع وزراء التجارة الأوروبيين يوم الاثنين المقبل، حيث سيجري تقييم الخيارات الأخيرة قبل حلول الموعد النهائي لترامب.

ويبقى السؤال الأبرز: هل سينجح الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى صفقة تجنّبه مواجهة تجارية محتدمة مع إدارة ترامب؟ أم أن قَدَر العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي سيظل رهين حسابات سياسية متقلبة في واشنطن؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى