أردوغان يخوض مقامرة كردية عالية المخاطر لإنقاذ مستقبله السياسي

يخوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكبر مقامرة سياسية في مسيرته الممتدة لأكثر من عقدين، إذ يسعى لنسج صفقة تاريخية مع الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا، على أمل انتشال شعبيته المتراجعة وإنقاذ مستقبله السياسي المهدد أكثر من أي وقت مضى.
تأتي هذه الخطوة في ظل انزياح دراماتيكي في المزاج السياسي التركي، إذ مُني حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان بهزائم موجعة في الانتخابات البلدية العام الماضي، حتى في معاقله المحافظة التقليدية. كما تعرض النظام لهزة قوية بعد سجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وشنّ حملات أمنية طالت رؤساء بلديات معارضين، ما فاقم من عزلته السياسية.
في خضم هذه العزلة، يرى أردوغان في الأكراد شريان حياة سياسي. وتتمحور مقامرته الحالية حول إمكانية التوصل إلى تسوية تاريخية للصراع الكردي، الذي حصد أرواح نحو 40 ألف شخص منذ ثمانينات القرن الماضي، وأثقل كاهل تركيا سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
العنصر الأكثر إثارة للجدل في هذه المقامرة يتمثل في إدخال عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني المحظور، إلى قلب المعادلة السياسية. فرغم أنه يقضي حكماً بالسجن المؤبد منذ 1999 في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، ظهر أوجلان هذا الأسبوع في تسجيل مصور هو الأول له منذ عقود، معلناً أن «مرحلة الكفاح المسلح انتهت»، وأن المطلب الأساسي للأكراد المتمثل في الاعتراف بوجودهم قد تحقق.
قال أوجلان في الفيديو: «لقد تم الاعتراف بالوجود، وبالتالي تحقق الهدف الأساسي. هذا ليس خسارة، بل ينبغي اعتباره إنجازاً تاريخياً»، داعياً حزب العمال الكردستاني إلى حل نفسه والتحول إلى العمل السياسي السلمي.
معارضة داخلية شديدة
لكن أردوغان يواجه معارضة شرسة داخل صفوف تحالفه السياسي، خاصة من شريكه القومي المتشدد دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، الذي طالما اعتبر حزب العمال الكردستاني تهديداً وجودياً للدولة التركية.
بهجلي نفسه كان قد دعا قبل نحو عقدين إلى إعدام أوجلان، وهاجم أردوغان بشدة حين حاول الأخير خوض مفاوضات سلام مع الأكراد في 2013-2015. غير أن السياسة التركية التي لا تخلو من تقلبات مفاجئة، شهدت تحولاً مذهلاً حين اقترح بهجلي في أكتوبر الماضي إمكانية السماح لأوجلان بإلقاء كلمة في البرلمان، شرط حل حزب العمال الكردستاني.
هذا التحول منح أردوغان غطاء سياسياً للمضي قدماً في خطته، لكنه لا يبدد تماماً المخاوف من انفجار الغضب الشعبي، خصوصاً في أوساط القوميين أو عائلات الجنود الذين سقطوا خلال الحرب الطويلة مع الحزب.
وفي خطاب له أمام البرلمان هذا الأسبوع، حرص أردوغان على التأكيد أن أي اتفاق لن يكون على حساب «ذكرى الشهداء أو معنويات أسرهم»، مضيفاً: «نحن ننقذ تركيا من محنة دامت نصف قرن، وننهي القيد الدموي الذي فُرض على وطننا».
خطوة محفوفة بالمخاطر
يرى مراقبون أن خطط أردوغان لا تخلو من المجازفة. فالرأي العام التركي لا يزال ينظر إلى حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، فيما يبقى الأكراد أنفسهم متشككين للغاية في نوايا الدولة التركية بعد عقود من القمع والانتهاكات.
ورغم إعلان حزب العمال الكردستاني وقف الكفاح المسلح في مايو الماضي، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمام الوصول إلى تسوية شاملة. وتشير تسريبات إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد تسليم أول دفعة من أسلحة الحزب في شمال العراق، في مؤشر أولي على جدية الخطوات.
لكن الغموض يحيط بمصير هذه المبادرة. فنجاحها يتطلب أكثر من مجرد تصريحات أو رسائل مصورة. يحتاج أردوغان إلى إقناع الشارع التركي، وطمأنة الأكراد، والتغلب على معارضة عنيفة داخل تحالفه السياسي، وهو تحدٍّ ضخم لرئيس يواجه أخطر لحظات مسيرته.
وفي ظل هذه التوازنات الهشة، يبقى السؤال الأهم: هل ستتحول مقامرة أردوغان إلى إنجاز تاريخي ينهي الصراع الكردي، أم إلى مغامرة سياسية تقوده إلى نهايته؟



