رئيسيشئون أوروبية

رؤيتان متعارضتان للتمويل الأوروبي في اجتماع النخبة المصرفية الإيطالية

على خلفية صيف إيطالي دافئ، اجتمعت نخبة المصارف الإيطالية في العاصمة المالية ميلانو وسط أجواء متوترة، بعد أشهر من المواجهات التي تهز أركان النظام المصرفي الإيطالي وتثير خلافات حادة بين روما وبروكسل بشأن مستقبل التمويل الأوروبي.

قصة الأزمة بدأت العام الماضي حين حاول بنك يونيكريديت، أكبر بنوك إيطاليا، الاستحواذ على منافسه الأصغر بنك بي بي إم، وسط رفض متزايد من حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي استخدمت آلية “القوة الذهبية” لعرقلة الصفقة، بحجة حماية الأمن القومي.

تسببت هذه الخطوة في إشعال مواجهة قانونية بين البنك العملاق وحكومة روما، والتي أكدت أن استحواذ يونيكريديت على بي بي إم يشكل تهديدًا للمصالح الوطنية، لاسيما مع ارتباط بنك بي بي إم الشديد بالمناطق الإقليمية وشركات البناء الصغيرة والمتوسطة التي تمثل شريان الاقتصاد المحلي.

في المقابل، تُصرّ المفوضية الأوروبية على أن السوق المصرفية الأوروبية بحاجة ماسة إلى المزيد من الاندماجات والتكامل، في سبيل تعزيز المنافسة ضد عملاق التمويل الأمريكي، وتقوية قطاع مصرفي أكثر تماسكًا وقوة.

خلال الجمعية السنوية لجمعية البنوك الإيطالية (ABI)، بدا التوتر واضحًا على مستويات عالية بين المصرفيين والمشرعين.

رئيس مجلس إدارة ABI، أنطونيو باتويلي، دعا إلى ضرورة توحيد قواعد الحوكمة والشفافية وتعزيز الاتحاد المصرفي الأوروبي. وأكد على أن الأسواق الحرة ورأسمالية المنافسة هي الطريق الأمثل لتطوير القطاع.

في ذات الوقت، هاجم باتويلي الضغوط الحكومية الإيطالية التي تستهدف حماية المصالح المحلية، معتبرًا أن “المنافسة يجب أن تكون متطورة ومحميّة، ولا بد أن تخضع جميع الجهات الفاعلة المالية للقواعد نفسها، سواء التقليدية أو غير التقليدية.”

لكن وزير المالية الإيطالي، جيانكارلو جيورجيتي، رد بقوة على هذا الطرح قائلاً إن النمو الذي حققته البنوك الإيطالية لم يترجم إلى تسهيلات ائتمانية للمواطنين والشركات المحلية، بل شهدت تراجعًا في الإقراض ودعمًا ماليًا محدودًا للقطاع الحقيقي.

وأضاف جيورجيتي أن البنوك حققت أرباحًا استثنائية، خصوصًا بفضل ارتفاع أسعار الفائدة، لكنها لم تنعكس إيجابيًا على الاقتصاد الإيطالي، مشيرًا إلى ضرورة أن “تعود البنوك إلى أداء دورها الأساسي كمؤسسات تخدم الاقتصاد الوطني.”

في تصريح خاص لصحيفة بوليتيكو، وصف مسؤول في وزارة الخزانة تدخل الحكومة بأنه مسألة أمن قومي حيوية، لا تقل أهمية عن تعزيز الإنفاق الدفاعي، مضيفًا: “الشعب الإيطالي انتخب حكومة ذات سيادة، وعلينا أن نمارس هذه السيادة في حماية اقتصادنا.”

ويرى كثيرون أن القلق الحكومي ينبع من التخوف من سيطرة بنوك عملاقة مثل يونيكريديت على مشهد التمويل الوطني، مما قد يؤدي إلى تقليص الدعم المالي للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل قاعدة كبيرة من القاعدة الانتخابية للحكومة.

من جهة أخرى، يعكس صراع روما وبروكسل أوسع خلاف حول طبيعة الاتحاد الأوروبي الاقتصادي، بين رؤية اتحادية تسعى إلى دمج الأسواق وتعزيز التكتلات الكبيرة، وبين رؤية قومية تركز على حماية السيادة الاقتصادية والمحلية.

بعض المسؤولين الإيطاليين، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، وصفوا طموحات الاتحاد الأوروبي بأنها غير واقعية بالنسبة لإيطاليا التي تعاني من مستوى ديون مرتفع وحساسية تجاه تقلبات الأسواق المالية.

ومع ذلك، فإن التوترات تتصاعد بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إحداث تحولات عميقة في قطاع المصارف، ويرى أن دمج الكيانات المصرفية سيكون طريقًا أساسيًا لمنافسة قوة الأسواق العالمية.

في حين تبدو المواقف متباينة، يتفق الجميع على أن مصير التمويل في إيطاليا وأوروبا معًا سيبقى مرتبطًا بحالة التوازن بين السيادة الوطنية وطموحات التكامل الأوروبي، وأن أي خطوة خاطئة قد تُحدث تداعيات كبيرة على الاقتصاد والسياسة في البلدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى