رئيسيشؤون دولية

إيطاليا واليونان تدقّان ناقوس الخطر بشأن ليبيا وسط غياب استجابة حقيقية من الحلفاء

تجد إيطاليا واليونان نفسيهما في موقف دفاعي متزايد أمام تهديدات أمنية مصدرها ليبيا، بينما يواجهان لامبالاة من حلفائهما الأوروبيين والأطلسيين الذين يبدو أن اهتمامهم ما زال منصبًا على أوكرانيا، متجاهلين خطراً لا يقلّ أهمية في خاصرة أوروبا الجنوبية.

روما وأثينا، اللتان تواجهان تزايدًا حادًا في تدفقات المهاجرين من السواحل الليبية، حذرتا من تمدد النفوذ الروسي والتركي في الدولة المنقسمة، وسط تصاعد مؤشرات على تحولات استراتيجية مقلقة. وقد اعتبرت الدولتان أن التورط العسكري والاقتصادي لهاتين القوتين يهدد استقرار منطقة المتوسط ويجعل من ليبيا منصة لانطلاق تهديدات جديدة لأمن أوروبا.

نفوذ روسي متصاعد وقاعدة بحرية في طبرق

تشعر إيطاليا بقلق خاص إزاء التقارير الاستخباراتية التي تشير إلى تعزيز موسكو وجودها العسكري في ليبيا، لا سيما عبر إمدادات الأسلحة ودعم مشروع إنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء طبرق شمال شرق البلاد. ويُنظر إلى هذه الخطوة كجزء من استراتيجية روسية أوسع للتموضع في أفريقيا والبحر المتوسط، ما يمنح موسكو أدوات ضغط جديدة في وجه الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

من جهة أخرى، أبدت أثينا انزعاجًا متصاعدًا من تعاون خصمها الإقليمي، تركيا، مع السلطات الليبية لترسيم مناطق بحرية جديدة، تشمل مياهًا جنوب جزيرة كريت تعتبرها اليونان خاضعة لسيادتها بموجب القانون البحري الدولي. ورداً على ذلك، أرسلت البحرية اليونانية سفينتين حربيتين للقيام بدوريات قبالة الساحل الليبي، في مؤشر على تصعيد ميداني غير مسبوق.

محاولات دبلوماسية تتحول إلى مهزلة

في محاولة للتعامل دبلوماسيًا مع الوضع، أوفدت بروكسل وفدًا إلى بنغازي بقيادة مفوض الهجرة ماغنوس برونر، برفقة وزراء من إيطاليا واليونان ومالطا. غير أن الزيارة انتهت بشكل مهين، إذ أُعلن عن اعتبار الوفد “شخصيات غير مرغوب بها” من قبل قوات اللواء خليفة حفتر، وطُلب منهم مغادرة البلاد فورًا، وسط اتهامات غامضة بارتكاب “انتهاكات”.

وبحسب دبلوماسي أوروبي مطلع على الملف، فإن ما يحدث في ليبيا “يتجاوز حدود أزمة هجرة عابرة”، مشيرًا إلى أن روسيا توظّف ليبيا كممر استراتيجي لتعزيز نفوذها في أفريقيا والبحر المتوسط، بينما ترتبط شبكات التهريب في البلاد بجهات سياسية تدعم جهود موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية.

تزايد الضغوط في كريت وتجميد اللجوء

في اليونان، دقّ رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس ناقوس الخطر مع تصاعد أعداد المهاجرين القادمين من ليبيا. وأعلن أمام البرلمان تعليق استقبال طلبات اللجوء من القادمين من شمال أفريقيا عن طريق البحر، لمدة أولية تمتد ثلاثة أشهر، مبررًا ذلك بـ”الوضع الطارئ”.

ومنذ بداية العام، وصل نحو 9 آلاف مهاجر إلى جزيرة كريت قادمين من ليبيا، أي ما يقرب من ضعف عدد الوافدين في عام 2024 بالكامل. وتشير الإحصاءات الأوروبية إلى أن العبور غير النظامي من وسط البحر المتوسط ارتفع بنسبة 7% خلال النصف الأول من 2025، رغم انخفاضه على مسارات الهجرة الأخرى.

وعلى الرغم من إرسال البحرية اليونانية دوريات قبالة الساحل، حذر مسؤولون في أثينا من أن وجود هذه السفن قد يشجّع المهاجرين على ركوب البحر على أمل إنقاذهم، كما حدث مع أكثر من ألفي مهاجر وصلوا إلى شواطئ كريت في الأسبوع الأخير فقط.

غياب أمريكي وفرنسي مقلق

غير أن الأزمة الليبية المتفاقمة لا يمكن لإيطاليا واليونان التعامل معها وحدهما. وتدرك الدولتان أن معالجة الملف الليبي بما يتضمنه من تحديات سياسية وعسكرية وأمنية، تتطلب تدخلًا فاعلًا من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا. لكن حتى الآن، فإن الاستجابة من هذه العواصم بقيت خجولة ومخيّبة للآمال.

وقال دبلوماسي أوروبي في بروكسل: “القلق الأوروبي واضح، لكن تحويل هذا القلق إلى خطة فعلية يتطلب أكثر من التصريحات”. وأضاف أن محاولة بروكسل تقليد النموذج التونسي لعام 2023 – عبر شراء وقف الهجرة بالمال – لن تنجح في ليبيا التي تمزقها الميليشيات والتدخلات الأجنبية.

وسط هذا التجاهل الدولي، تستمر ليبيا في الانزلاق نحو مزيد من الفوضى، وتتحول إلى ساحة لصراع النفوذ بين روسيا وتركيا وأطراف محلية متنازعة، بينما ترتفع أعداد القوارب المتجهة شمالاً، محملةً بآلاف الحالمين بالوصول إلى أوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى