رئيسيشئون أوروبية

قنبلة الميزانية الفرنسية: جرس إنذار لأوروبا المتجهة نحو الإفلاس

أثارت الميزانية التي أعلنها رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو يوم الثلاثاء حالة من القلق ليس فقط في فرنسا، بل في كامل أوروبا، حيث ترسم هذه الخطة ملامح أزمة اقتصادية حادة تهدد القارة بأكملها في ظل تراجع القوى العاملة وتزايد الضغوط المالية.

الأزمة المالية في فرنسا: مؤشر على مأزق أوسع

عرض بايرو يتضمن سلسلة إجراءات تقشفية منها خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، إضافة إلى إلغاء عطلتين رسميتين، في محاولة لمواجهة عجز ميزانية فاق 9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 ولم ينخفض إلى ما دون الحد الأقصى المسموح به (3%) منذ 2019. هذا العجز الضخم يضع فرنسا في وضع مالي أسوأ من أي اقتصاد رئيسي آخر في منطقة اليورو، وسط توقعات بعدم عودة الميزانية إلى التوازن قبل عام 2029.

لكن ردود الفعل على هذه الإجراءات جاءت حادة، فقد هاجمت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان الحكومة، متهمة إياها بالهجوم على الشعب الفرنسي بدلاً من محاربة الهدر المالي، ومتعهدة بإسقاط حكومة بايرو إذا استمرت في تنفيذ خططها.

أوروبا تواجه تراجعاً ديموغرافياً وتحديات اقتصادية

فرنسا ليست وحدها في مواجهة هذه التحديات، إذ تعاني أجزاء كبيرة من أوروبا من شيخوخة سكانية وتراجع في القوى العاملة، ما يفاقم الأزمة المالية. فالبنك المركزي الألماني يقدر أن القوى العاملة الألمانية ستبدأ في الانكماش مطلع العقد المقبل، بالتزامن مع إطلاق خطط إنفاق ضخمة لتمويل التحديثات، خصوصاً في المجال الدفاعي.

وأظهرت تقارير حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الإنفاق الاجتماعي المرتبط بالتركيبة السكانية سيرتفع بنحو 3 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي خلال 25 عاماً قادمة، مما يترك موارد مالية محدودة لدعم برامج مكافحة الفقر والتأمين ضد الصدمات الاقتصادية.

تكاليف أنظمة التقاعد تشكل أبرز مصادر الضغط المالي، حيث يتوقع أن تزداد نسبة إنفاق التقاعد في بريطانيا من 5% إلى 7.7% من الناتج المحلي بحلول سبعينيات القرن الحادي والعشرين. وفي الاتحاد الأوروبي ككل، من المتوقع ارتفاع الإنفاق على التقاعد والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية من 24% إلى 25.9% من الناتج المحلي بحلول 2070.

الإنفاق الدفاعي وعبء الديون المتزايد

تضاف إلى هذه التحديات الحاجة إلى إنفاق مبالغ ضخمة على تحديث القوات المسلحة لمواجهة التهديدات الجديدة، خاصة بعد تعهدات حلف شمال الأطلسي بزيادة ميزانيات الدفاع. ومع هذه الالتزامات، يقدر أن العجز الحكومي في الاتحاد الأوروبي قد يرتفع بنسبة 1.3% إلى 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي المملكة المتحدة، أُجبر رئيس الوزراء كير ستارمر على التراجع عن تخفيضات في الرعاية الاجتماعية بسبب معارضة نوابه، وسط مخاوف من ارتفاع تكلفة الاقتراض بفعل مزيج من التضخم والديون المرتفعة، حيث تجاوزت عوائد سندات الدين لأجل 30 عاماً مستويات ما قبل الأزمة المالية في 2022.

التأثيرات العالمية وتحديات التمويل

لا تقتصر الضغوط على أوروبا، إذ يواجه الاقتصاد العالمي عوامل معقدة مثل ارتفاع الدين الحكومي في الولايات المتحدة، الذي يتوقع أن يزيد بمقدار 4 تريليونات دولار خلال العقد المقبل، بالإضافة إلى تراجع طباعة النقود في اليابان بسبب التضخم.

في الولايات المتحدة، رغم تحقيق مستوى توظيف شبه كامل، يتجاوز العجز الحكومي 6% من الناتج المحلي، مع إنفاق ضخم على فوائد الدين يفوق ميزانية الدفاع. ونتيجة لذلك، يطالب المستثمرون بعوائد أعلى للسندات طويلة الأجل، مما يزيد تكلفة التمويل.

كذلك، حذر كبار مسؤولي الاستثمار في شركات كبرى مثل بلاك روك وجي بي مورغان من أن الوضع المالي العالمي على وشك الانزلاق نحو أزمة أكبر، وسط مخاوف متزايدة من عدم قدرة الحكومات على التحكم في الدين والعجز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى