Site icon أوروبا بالعربي

منطقة اليورو تواجه ضبابية اقتصادية في ظل تجدد الحرب التجارية بين أوروبا والولايات المتحدة

في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يجد البنك المركزي الأوروبي نفسه أمام مفترق طرق بالغ التعقيد، مع تزايد الغموض بشأن الآفاق الاقتصادية لمنطقة اليورو. وتشير التوقعات إلى أن البنك قد يُجمّد خطته لخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب في 24 يوليو، بعد سلسلة من التخفيضات المتتالية التي بلغت ثماني مرات منذ منتصف عام 2024.

السبب المباشر لهذا التغير هو القرار المفاجئ الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 30% على الواردات القادمة من دول الاتحاد الأوروبي. وردًا على ذلك، بدأ الاتحاد دراسة حزمة انتقامية بقيمة 72 مليار يورو تستهدف قطاعات حساسة مثل الطائرات، السيارات، وقطع الغيار.

ركود تضخمي يلوح في الأفق

يشير الخبراء إلى أن إعادة إحياء سيناريو الحرب التجارية تدفع منطقة اليورو مجددًا إلى فخ “الركود التضخمي” – وهو المزيج الصعب من تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار، الذي يجعل من أدوات البنوك المركزية التقليدية مثل الفائدة والتيسير الكمي أقل فاعلية.

وفي حين كان محافظ البنك المركزي اللاتفي، مارتينش كازاكس، قد أبدى تفاؤله قبل أسابيع بشأن توصل بروكسل وواشنطن إلى تسوية، إلا أنه اعترف في تصريحات جديدة بأن الظروف تغيّرت، مضيفًا: “هذا ليس تطورًا جيدًا بالطبع، لكننا ننتظر لنعرف إن كان مجرد تكتيك تفاوضي أم توجه طويل الأمد.”

ضغوط داخلية وانقسامات في التوجه

أمام هذا المشهد المعقّد، يسود الانقسام داخل أروقة مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي. ففي حين حذرت شخصيات مؤثرة مثل الألمانية إيزابيل شنابل، من أي تحركات متسرعة في تخفيض الفائدة، معتبرة أن “الفرص الآن غير مواتية”، دعا آخرون إلى اعتماد سياسات تحفيزية أكثر مرونة.

فابيو بانيتا، محافظ بنك إيطاليا، حذر من أن تأثير الصدمات الجمركية، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة اليورو، قد يفضي إلى انكماش اقتصادي فعلي، ما ينسف افتراضات البنك بأن التضخم سيتراجع تدريجيًا في 2026.

من جانبه، لمّح وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، إلى العودة إلى أداة التيسير الكمي المثيرة للجدل، والتي استخدمت سابقًا لتحفيز اقتصاد منطقة اليورو، عبر شراء السندات الحكومية.

انقسام صقور وحمائم

يرى بعض المراقبين أن الانقسام داخل البنك المركزي الأوروبي قد يزداد عمقًا في الأسابيع المقبلة. ففي الوقت الذي يُشدد فيه صقور السياسة النقدية – أمثال يواكيم ناجل، رئيس البنك المركزي الألماني – على ضرورة الحذر وعدم الانجرار إلى مزيد من التخفيضات، ترى أصوات أخرى أن المخاطر على النمو أصبحت أكبر من خطر عودة التضخم.

وفي مذكرة تحليلية، قال بول هولينغسورث، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك BNP Paribas، إن توقعات سبتمبر لخفض جديد ما تزال قائمة، لكنها أصبحت أكثر هشاشة، مضيفًا: “تزايد الغموض، وازدياد النفور الألماني، قد يدفع البنك لتأجيل أي قرار جديد.”

مهمة منتهية ومهمة قيد الانتظار

في خطاب له قبل الدخول في فترة الصمت الإعلامي التي تسبق الاجتماع، قال كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، فيليب لين، إن “مهمة السيطرة على التضخم باتت شبه مكتملة”، لكنه حذر من ترسيخ التقلبات قصيرة الأجل، مؤكداً أن المخاطر أصبحت الآن “ثنائية الاتجاه”.

ويأتي هذا التقييم في وقت يتراجع فيه النمو الصناعي في ألمانيا، وتشهد فرنسا تباطؤًا في قطاعي السياحة والخدمات، وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب التجارية الجديدة إلى تباطؤ أعمق في باقي دول الاتحاد.

إلى أين يتجه القرار المقبل؟

في ظل هذه المعطيات، لا يبدو أن لدى البنك المركزي الأوروبي هامشًا واسعًا للمناورة. فخفض الفائدة مجددًا قد يُنظر إليه كتحفيز غير مبرر وسط تضخم لا يزال أعلى من مستواه المستهدف (2%). في المقابل، فإن التوقف عن خفض الفائدة قد يُفاقم ركود النمو، ويدفع بعض الدول إلى المطالبة بسياسات تحفيز مالي موازية.

وفي غياب تسوية سريعة بين بروكسل وواشنطن، يبقى الترقب سيد الموقف، وقد يكون الاجتماع المقبل للبنك المركزي الأوروبي اختبارًا حاسمًا لقدرته على تحقيق التوازن بين واقع اقتصادي هش، وضغوط سياسية وتجارية تزداد تعقيدًا.

Exit mobile version