تدهور العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين تحت ضغط ترامب التجاري

تشهد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين تدهورًا غير مسبوق، بينما تتحضّر العاصمتان لعقد قمة مرتقبة في بكين يوم الخميس، يُتوقع ألا تسفر عن نتائج تذكر، وسط تصعيد تجاري وضغوط متزايدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض حاملاً أجندة حمائية صارمة.
القمة، التي تأتي في الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي والصين، كان يُفترض أن تكون احتفالًا بالشراكة الاستراتيجية. غير أن الأجواء باتت مشحونة، بعد أن شهدت الأشهر الماضية سلسلة من الإجراءات العقابية المتبادلة، خصوصًا في مجالات السيارات الكهربائية، والأجهزة الطبية، والصادرات الصناعية الحساسة.
تصعيد متبادل
في تطور لافت، قرر الاتحاد الأوروبي مؤخرًا فرض عقوبات على مصرفين صينيين بسبب ما وصفه بدعم غير مباشر لجهود روسيا الحربية في أوكرانيا. جاء ذلك كرد على عدم تجاوب بكين مع دعوات غربية للحد من دعمها الاقتصادي لموسكو، الأمر الذي أثار غضب السلطات الصينية، التي ردّت بالتنديد بالقرار واعتبرته “تجاوزًا فادحًا وغير مقبول”.
من جانبها، شددت الصين القيود على استيراد المنتجات الطبية الأوروبية، ما اعتبره مراقبون خطوة انتقامية. وفي السياق ذاته، تتواصل النزاعات بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات الكهربائية، والمشروبات الكحولية، والمعادن النادرة.
وقال نوح باركين، الباحث في صندوق مارشال الألماني، إن “العلاقة بين بروكسل وبكين كانت دائمًا متوترة، لكننا نشهد الآن انتقالها إلى مرحلة التأزم الفعلي، خاصة بعد عودة ترامب للبيت الأبيض”.
التحدي الأميركي: ضغط من الطرف الثالث
تلعب إدارة ترامب دورًا غير مباشر في هذا التوتر. فرفع الرسوم الجمركية الأميركية إلى 145% على بعض الواردات الصينية، دفع بكين إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أوروبا. لكن الاتحاد الأوروبي لم يلبِ هذه الإشارات بالشكل الذي توقعته بكين، وبدلاً من ذلك، سعى إلى تعزيز تحالفه مع اليابان، وفرض ضوابط جديدة على دخول المنتجات الصينية إلى أسواقه.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في تصريحات سابقة:
“علينا أن نكون واضحين بشأن مصالحنا، وأن نضمن وجود تكافؤ حقيقي في العلاقات مع بكين”.
غير أن لهجتها التصالحية السابقة تحوّلت مؤخرًا إلى لهجة أكثر حزمًا، خاصة في ما يتعلق بالوصول إلى الأسواق والتوازن التجاري.
بيئة تفاوضية متوترة
يبدو أن القمة ستعكس هذه الفجوة المتزايدة. فقد تجاهل الرئيس الصيني شي جين بينغ دعوة أوروبية سابقة لزيارة بروكسل، وتم تقليص مدة القمة من يومين إلى يوم واحد. كما لم يصدر جدول رسمي واضح حتى قبل يومين من اللقاء، في مؤشر على التوتر الكامن.
ووفق مصدر أوروبي، فإن القمة ستتضمن:
اجتماعًا صباحيًا مع شي جين بينغ لمناقشة القضايا الجيوسياسية
غداء عمل حول الشؤون الدولية
لقاءً مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ لبحث العلاقات الاقتصادية
لكن من غير المتوقع صدور بيان مشترك، كما هو الحال في معظم القمم الأخيرة بين الجانبين.
الصين في موقف قوة؟
بحسب فرانشيسكا غيريتي، مديرة مبادرة الصين-أوروبا في مؤسسة راند، فإن بكين ترى نفسها في موقف تفاوضي أقوى، خاصة بعد أن نجحت في تخفيف التوتر مع واشنطن بسرعة تفوق التوقعات.
وأشارت إلى أن الصين “لا تشعر بحاجة لتقديم تنازلات كبيرة”، خاصة في ظل استمرار الاتحاد الأوروبي في فرض قيود على صادرات المعادن النادرة مثل الغاليوم، وهي عناصر أساسية في الصناعات الدفاعية والتقنية الأوروبية.
بدوره، حذّر عضو البرلمان الأوروبي بارت غروثويس من “التردد الأوروبي”، وقال إن بكين تُخضع الشركات الأوروبية لاستجوابات مُهينة قبل الموافقة على تصدير المواد الحساسة، مضيفًا:
“إذا لم نتعامل بندية، فسيفهم الصينيون ذلك كدعوة للمزيد من الابتزاز التجاري”.
مستقبل غامض للعلاقات
وبينما كانت بروكسل تأمل في توقيع اتفاقيات حول المناخ أو حتى صفقة لشراء طائرات إيرباص، فإن المؤشرات الحالية تدل على أن الإنجازات المحتملة ستكون رمزية في أفضل الأحوال.
وبحسب أحد المسؤولين الأوروبيين، فإن “النجاح الحقيقي للقمة سيكون في إيصال رسالة واضحة إلى الصين بأن سلوكها الحالي غير مقبول”.
في الوقت ذاته، يُنظر إلى زيارة فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إلى طوكيو قبيل القمة على أنها محاولة لتعزيز الجبهة الصناعية الغربية في مواجهة فائض الإنتاج الصيني والرسوم الجمركية الأميركية، وهي إشارة سياسية واضحة لم تغب عن نظر بكين.



