ورقة نقدية تشعل أزمة بين بولندا وفرنسا حول ماري كوري

اندلع خلاف دبلوماسي غير متوقع هذا الأسبوع بين بولندا وفرنسا، بعد أن كشف البنك المركزي الأوروبي عن قائمة مختصرة لأبرز الشخصيات الثقافية الأوروبية التي قد تزيّن سلسلة أوراق اليورو النقدية الجديدة، حيث تضمنت الاسم الفرنسي الشهير “ماري كوري” دون ذكر اسم عائلتها البولندي الأصلي “سكودوفسكا”، مما أثار حفيظة المسؤولين في وارسو وأشعل حملة ضغط شرسة.
رغم أن بولندا لا تستخدم العملة الأوروبية الموحدة، إلا أن قضية الهوية الوطنية والتاريخ العلمي كانت كفيلة بإشعال رد فعل سياسي ودبلوماسي قوي. وقد اعتبرت وارسو حذف الاسم البولندي لمكتشفة الإشعاع – الفائزة بجائزتي نوبل في الفيزياء والكيمياء – “طمسًا متعمدًا لجذورها”، بحسب تصريحات مسؤولين مطلعين على التواصل الجاري بين الطرفين.
جذور الخلاف
وُلدت ماري كوري في وارسو عام 1867 باسم ماريا سكودوفسكا، لكنها اكتسبت لاحقًا اسم “كوري” بعد زواجها من العالم الفرنسي بيير كوري في باريس. عندما فازت بجائزة نوبل الأولى عام 1903، نُسب إليها الاسم الفرنسي فقط. غير أنها عادت لتستخدم اسمها المزدوج “سكودوفسكا-كوري” حين فازت بجائزتها الثانية عام 1911، في ما اعتُبر بيانًا قوميًا نسويًا من طرفها، لإبراز هويتها البولندية المستقلة.
في التصميم الأولي الذي نشره البنك المركزي الأوروبي مطلع هذا العام، ظهرت ماري كوري كمرشحة بارزة لتزيين ورقة فئة 20 يورو، دون الإشارة إلى اسمها الأصلي، ما أثار موجة من الاحتجاجات في بولندا، تراوحت بين رسائل رسمية من محافظ البنك المركزي البولندي آدم غلابينسكي، ومطالبات من أعضاء في البرلمان الأوروبي، مرورًا برسائل من ناشطات نسويات وجمعيات علمية.
تصحيح جزئي… لا يكفي الجميع
سارع البنك المركزي الأوروبي، ومقره فرانكفورت، إلى إجراء تعديل على الموقع الإلكتروني، مشيرًا إلى الاسم الكامل “ماري كوري (المولودة باسم سكودوفسكا)”. كما أشار متحدث باسم البنك إلى أن “الهوية المزدوجة ستُؤخذ بعين الاعتبار في حال اعتماد التصميم النهائي”، مؤكداً أن المشاورات لا تزال جارية مع أحفاد العالمة ومعهد كوري في باريس لتحديد الصيغة الأنسب.
ورغم ترحيب البعض بهذه الخطوة، على رأسهم النائب الأوروبي البولندي يانوش ليفاندوفسكي الذي قال إنها “انتصار رمزي للهوية البولندية”، إلا أن نشطاء آخرين اعتبروا أن “الإشارة الجانبية” لا تُعادل ذكر الاسم بشكل صريح في التصميم الرئيسي.
صراع فرنسي بولندي قديم… في ثوب نقدي جديد
الخلاف حول ماري كوري يُعيد إلى الواجهة النزاع التاريخي بين باريس ووارسو حول “ملكية” إرثها. ففي حين تعتبر فرنسا أنها تبنتها علميًا ومنحتها أدوات النجاح، ترى بولندا أنها ابنة نهضتها العلمية ومصدر فخر وطني لا يمكن تجريده من جذوره.
وقد سبق أن خاضت بولندا معركة مماثلة في عام 2014، عندما نجحت في إعادة تسمية برنامج “Marie Curie Actions” التابع للمفوضية الأوروبية إلى “Marie Skłodowska-Curie”، وهو ما تعتبره سابقة تؤكد إمكانية تكرار “النصر” في معركة الورقة النقدية.
مصير التصميم لم يُحسم بعد
حتى الآن، لم يُصدر البنك المركزي الأوروبي قراره النهائي بشأن الشخصيات التي ستظهر على سلسلة الأوراق النقدية الجديدة، والتي من المتوقع أن تُطرح بدءًا من نهاية العقد الحالي. وتتنافس عدة تصميمات حالياً، تتراوح بين رموز ثقافية مثل كوري، وتصاميم رمزية أقل إثارة للجدل مثل الأنهار والطيور.
ورغم الإشارة المحدثة إلى “سكودوفسكا”، لم يؤكد البنك المركزي ما إذا كان الاسم المزدوج سيُعتمد فعليًا على الورقة النقدية نفسها، أم سيبقى تفصيلاً توضيحيًا مرافقًا.



