Site icon أوروبا بالعربي

تخفيضات الميزانية تدفع المهاجرين إلى أوروبا: تحذيرات أممية من كارثة إنسانية متفاقمة

حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من أن تخفيضات الميزانية المفروضة على المفوضية من قبل الدول المانحة تؤدي إلى تفاقم أزمة الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، مشيراً إلى أن تجاهل جذور الأزمة في إفريقيا يمثل “خطأ استراتيجيًا كبيرًا”.

وفي مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز نُشرت يوم الاثنين، قال غراندي: “إن التخفيضات التي فُرضت علينا كارثية أيضًا من حيث كيفية إدارة تدفقات اللاجئين. نحن الآن غير قادرين على تقديم الحد الأدنى من الدعم في مناطق التوتر، مما يدفع الناس للمخاطرة بحياتهم لعبور الصحارى والبحار بحثًا عن الأمان.”

أزمة تمويل حادة… وآثار إنسانية مباشرة

تشهد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) عجزًا ماليًا متزايدًا بعد أن أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمويل بلاده لبعض وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك المفوضية، مطلع هذا العام.

وتُعد الولايات المتحدة أكبر ممول فردي للمفوضية، حيث كانت تساهم بنحو 40% من إجمالي الميزانية. ومع الانسحاب الأميركي، تراجعت مساهمات دول أوروبية رئيسية، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، نتيجة لسياسات التقشف التي تفرضها الحكومات في ظل التباطؤ الاقتصادي والضغوط الداخلية.

واضطرت المفوضية إلى تعليق برامج مساعدات بقيمة 1.4 مليار دولار، ما أثّر بشكل مباشر على أنشطة الإغاثة في عشرات المناطق، خصوصاً في الساحل الإفريقي وشرق إفريقيا وليبيا ولبنان، حيث تشكل برامج المفوضية شريان حياة لملايين اللاجئين والنازحين.

الهجرة غير النظامية تتصاعد

قال غراندي إن خفض التمويل أدى إلى انهيار سبل الدعم الأساسية في مناطق العبور والتوطين المؤقت، مما جعل آلاف اللاجئين يفقدون الأمل في العودة أو البقاء ويختارون الهروب نحو أوروبا.

وأضاف: “لا شك لدي أن لاجئين سودانيين ينتقلون حاليًا من تشاد إلى ليبيا، ومن هناك يحاولون عبور البحر نحو إيطاليا أو مالطا. لو وُجد الحد الأدنى من الدعم الإنساني في هذه الدول، لأمكن احتواء هذه التدفقات وتقليل المعاناة.”

وشدد على أن توفير المساعدات في دول الاستقبال الأول، مثل تشاد وإثيوبيا والنيجر، “سيحل الكثير من المشكلات، بما في ذلك الهجرة غير النظامية التي تؤرق الدول الأوروبية”.

خطأ استراتيجي مزدوج

انتقد غراندي ما وصفه بـ”قصر نظر السياسات الغربية”، قائلاً إن تركيز الحكومات الأوروبية على تعزيز الحواجز والقيود داخل حدودها يتجاهل الواقع الحقيقي على الأرض في إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تبدأ أزمات النزوح.

وأضاف: “إذا لم يُستثمر في الاستقرار المحلي، فستصل الكلفة لاحقًا إلى عتبات أوروبا، وبشكل أكبر وأكثر خطورة.”

وأوضح أن تجاهل تمويل المفوضية يعادل عمليًا قطع الأوكسجين عن مناطق اللاجئين والمجتمعات المضيفة، مما يدفع الناس إلى اليأس”، مؤكداً أن التعامل مع النتائج دون معالجة الأسباب هو خيار غير فعّال ومكلف سياسياً واقتصادياً.

نداءات عاجلة واستجابة ضعيفة

تحاول المفوضية، بالتعاون مع منظمات دولية أخرى، إطلاق نداءات تمويل جديدة لتعويض العجز الحالي، إلا أن الاستجابة لا تزال ضعيفة.

وقال مسؤول أممي إن آخر نداء لجمع مليار دولار لمخيمات شرق إفريقيا لم يجمع سوى 15% من هدفه خلال ثلاثة أشهر.

ومع غياب التمويل، تتوقف برامج التغذية والرعاية الصحية والتعليم والمأوى، مما يترك الملايين عرضة للأمراض وسوء التغذية والاستغلال.

أوروبا تدفع ثمن تجاهل الجذور

تُظهر تحذيرات المفوض السامي للأمم المتحدة أن أزمة المهاجرين المتجددة على حدود أوروبا ليست وليدة لحظة، بل نتيجة مباشرة لتخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته في دعم اللاجئين في بلدانهم أو مناطق لجوئهم الأول.

ومع استمرار تدفق اللاجئين من السودان وتشاد وإريتريا وسوريا ولبنان، تواجه أوروبا خيارًا صعبًا: إما دعم جهود الإغاثة على الأرض، أو الاستعداد لأزمات سياسية وأمنية متكررة على حدودها، وفي قلب مجتمعاتها.

كما يبرز هذا التحدي الحاجة إلى سياسات إنسانية أكثر ذكاء وشمولًا، تعالج الأسباب لا الأعراض، وتستثمر في الحماية بدلاً من الردع.

Exit mobile version