نجح الاتحاد الأوروبي في تجنب حرب تجارية شاملة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر تعهد طموح بشراء ما قيمته 750 مليار دولار من النفط والغاز الأميركيين قبل نهاية ولايته. لكن محللين وخبراء طاقة أكدوا أن تنفيذ هذا الاتفاق شبه مستحيل من الناحيتين الفنية والتجارية.
ففي وقت أشادت فيه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالاتفاق ووصفته بأنه خطوة حاسمة لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي، سادت أوساط الخبراء شكوك واسعة حول واقعية تحقيق الهدف.
“الأرقام المعلنة غير واقعية على الإطلاق، ومبالغ فيها بشكل كبير”، قالت لورا بيج، المحللة الرئيسية في شركة “كبلر للسلع”.
فجوة هائلة بين الهدف والواقع
وفقًا لأرقام “كبلر”، أنفق الاتحاد الأوروبي نحو 76 مليار يورو على واردات الطاقة من الولايات المتحدة العام الماضي، من أصل إجمالي قدره 375 مليار يورو. ولكي تحقق الكتلة التزامها الجديد، يتوجب عليها مضاعفة وارداتها الأميركية ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع تقليص اعتمادها على دول مثل النرويج، التي تقدم غازًا أرخص عبر خطوط أنابيب.
وفي المقابل، بلغ إجمالي ما صدّرته الولايات المتحدة من النفط والغاز عالميًا العام الماضي نحو 166 مليار دولار فقط. ولو أرادت بروكسل استيراد 750 مليار دولار خلال الفترة المتبقية من ولاية ترامب، فعليها أن تستأثر بأغلب صادرات الطاقة الأميركية، وهو ما وصفته بيج بأنه “لن يحدث أبدًا”.
“سوق الغاز الطبيعي المسال يعمل بناءً على الأسعار العالمية، ويذهب إلى أعلى مزايد. الاتحاد الأوروبي لا يملك أداة لفرض جهة التوريد”، أضافت بيج.
عوائق تقنية وتجارية
من التحديات الكبرى التي تواجه تنفيذ الاتفاق:
محدودية الطاقة الاستيعابية لمصافي التكرير الأوروبية للتعامل مع أنواع معينة من النفط الأميركي.
نقص البنية التحتية الكافية للغاز الطبيعي المسال في بعض دول الاتحاد.
غياب السيطرة المباشرة لبروكسل على المشتريات، كونها تتم عبر شركات خاصة تتصرف بناءً على الجدوى الاقتصادية لا السياسية.
“الاتحاد الأوروبي ليس شركة. فهل سيُجبر شركاته على شراء الطاقة الأميركية؟” تساءل أحد خبراء الغاز في شركة تجارة دولية، مضيفًا: “إذا لم يكن هناك مبرر تجاري، فالشركات لن تقدم على ذلك”.
التزام سياسي… لكن لا ضمانات تنفيذ
ماروش شيفتشوفيتش، المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، دافع عن الصفقة، مؤكدًا أن الأرقام “قابلة للتحقيق” ومبنية على “تحليل احتياجات الطاقة الأوروبية”.
لكن مسؤولاً في المفوضية، رفض الكشف عن اسمه، أقر بأن تنفيذ الاتفاق مرهون بـ”ظروف موضوعية” تشمل قدرة الشحن الأميركية وتوافر البنية التحتية المناسبة لدى الدول الأوروبية.
وقالت آن صوفي كوربو، الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية، إن الالتزام بهذه الأرقام يبدو سياسيًا أكثر منه واقعيًا، مشيرة إلى أن المفوضية ربما قبلت الرقم لتفادي فرض تعريفات أميركية بنسبة 30% كانت ستطال معظم صادراتها إلى واشنطن.
وفيما تعتبر بروكسل أن الاتفاق أنقذ العلاقات التجارية مع واشنطن من الانهيار، يرى مراقبون أن الصفقة تعكس تنازلاً أوروبياً كبيرًا مقابل هدف يصعب تنفيذه فعليًا. ومع غياب خطة عملية واضحة، يتخوف كثيرون من أن ينتهي هذا الالتزام إلى أداة ضغط مستمرة في يد إدارة ترامب، وسط مشهد جيوسياسي حساس للطاقة والتجارة.

