تجتاح حرائق الغابات مناطق واسعة من تركيا واليونان في ظل موجة حر استثنائية تضرب منطقة البحر الأبيض المتوسط وأجزاء من أوروبا، مما أجبر الآلاف على إخلاء منازلهم، وأدى إلى خسائر بشرية ودمار بيئي واسع، وسط تحذيرات من اتساع رقعة الكارثة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف.
وقالت السلطات التركية إن ما لا يقل عن 15 شخصًا لقوا مصرعهم جراء الحرائق التي اندلعت منذ يونيو الماضي، بينما تم إجلاء أكثر من 3,500 شخص من قرى مهددة في مقاطعة بورصة شمال غرب البلاد، والتي تشهد واحدة من أعنف موجات الحرائق منذ سنوات.
وفي مقاطعة كارابوك، تم إجلاء مئات السكان يوم الأحد بعد اقتراب النيران من الأحياء السكنية، بينما أعلنت إزمير وبيلجيك في الغرب مناطق كوارث الجمعة الماضية.
درجات حرارة قياسية… وخطر متصاعد
بحسب خبراء الأرصاد، سجّلت مدينة سيلوبي جنوب شرق تركيا، يوم الجمعة، درجة حرارة قياسية بلغت 50.5 مئوية (122.9 فهرنهايت)، وهي الأعلى منذ بدء تسجيل البيانات في المنطقة، ما ساهم في اشتعال الحرائق بسرعة وانتشارها عبر المساحات الحرجية.
وتشير صور الأقمار الاصطناعية من برنامج كوبرنيكوس الأوروبي لإدارة الطوارئ إلى أن أجزاء كبيرة من تركيا، واليونان، وإيطاليا مصنفة الآن تحت “الخطر المرتفع للغاية” لاندلاع حرائق الغابات.
اليونان: الرياح تعرقل جهود الإطفاء
في اليونان، واجه رجال الإطفاء رياحًا عاتية خلال عطلة نهاية الأسبوع أثناء محاولاتهم للسيطرة على عدة بؤر مشتعلة، خاصة في المناطق الجبلية والوسطى من البلاد، حيث تجاوزت درجات الحرارة 38 درجة مئوية (100 فهرنهايت).
وقال وزير أزمة المناخ والحماية المدنية جيانيس كيفالوجيانيس في تصريحات نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC): “أصيب رجال الإطفاء، وتعرضت أرواح بشرية للخطر، وأُحرقت الممتلكات، ودُمرت مناطق الغابات. نحن نواجه تحديًا غير مسبوق”.
وشهدت مناطق في جزيرة رودس، وشبه جزيرة بيلوبونيز، وشمال أثينا عمليات إخلاء جماعي للسكان، وسط توسع غير مسبوق للنيران التي باتت تقترب من البنى التحتية الحيوية.
دعم أوروبي واسع
ردًا على الأزمة، أعلن الاتحاد الأوروبي عن إرسال طائرات إطفاء إلى اليونان وإيطاليا وكرواتيا والمجر، إضافة إلى معدات إطفاء مرسلة إلى سوريا من ألمانيا وفرنسا، في محاولة لتنسيق جهود إخماد الحرائق ضمن آلية الاستجابة الأوروبية للكوارث الطبيعية.
تغير المناخ يفاقم الأزمة
تشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن أكثر من ثلثي موجات الحر الشديدة التي ضربت أوروبا منذ عام 1950 حدثت بعد عام 2000، مما يؤكد العلاقة المباشرة بين تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري وتكرار هذه الظواهر المتطرفة.
وقالت المنظمة في تقرير حديث: “درجات الحرارة الشديدة أصبحت أكثر تواترًا وكثافة. وهي تؤدي إلى ارتفاع تلوث الهواء، وزيادة خطر الحرائق، وتفاقم موجات الجفاف التي تؤثر على المحاصيل والموارد المائية”.
أزمة جفاف في البلقان وتركيا
بالإضافة إلى حرائق الغابات، حذّر تقرير برنامج كوبرنيكوس من أن تركيا ومنطقة البلقان تشهدان ظروف جفاف قاسية متزايدة تؤثر على الزراعة والنباتات، وهو ما قد يؤدي إلى أزمات غذائية محلية في حال استمرار الأوضاع.
وأشار التقرير إلى أن أجزاء من قبرص واليونان “لا تزال تعاني من ظروف جفاف مستمرة”، ما يؤثر على الغطاء النباتي ويزيد من قابلية اشتعال الغابات.
وتُظهر الكارثة الحالية في تركيا واليونان كيف يمكن لمزيج من الحرارة المفرطة، والرياح، والجفاف أن يتحول إلى كارثة مناخية متكاملة الأبعاد، تهدد الأرواح، وتدمّر البيئات الطبيعية، وتضع ضغوطًا هائلة على الحكومات المحلية والجهات الدولية.
ومع اشتداد موجة الحر، يحذر الخبراء من أن الأسوأ لم يأت بعد، ما لم تُتخذ إجراءات دولية عاجلة للتعامل مع آثار تغير المناخ وبناء أنظمة أكثر صمودًا في مواجهة الكوارث المتكررة.

