فوضى الميزانية الفرنسية تُضعف حظوظ المرشحين اليمينيين في السباق الرئاسي

ألقت الأزمة السياسية والبرلمانية التي رافقت مناقشات الميزانية الفرنسية بظلال ثقيلة على المشهد الانتخابي المبكر، بعدما تسببت الفوضى التي انتهت بالفشل في إقرار الخطط المالية قبل نهاية العام في إضعاف أبرز وجوه اليمين التقليدي الطامحين إلى قصر الإليزيه عام 2027.
وبحسب استطلاعات رأي حديثة أجرتها مؤسستا «أودوكسا» و«إيبسوس»، تراجعت شعبية كل من رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، زعيم حزب «هورايزون» المنتمي ليمين الوسط، وبرونو ريتيلو، رئيس حزب الجمهوريين المحافظ، نتيجة أدائهما خلال مفاوضات الميزانية المعقدة، بعد أن كانا يُعدّان من بين أبرز المرشحين القادرين على مواجهة اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان.
وانتهت المناقشات البرلمانية، التي وُصفت بالفوضوية، دون إقرار ميزانية الدولة قبل حلول العام الجديد، ما دفع الحكومة إلى تأجيل العمل بميزانية 2025 إلى العام المقبل بانتظار التوصل إلى صيغة نهائية لميزانية 2026.
وبرز خلال هذه العملية عجز متوقع قد يصل إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم أثار قلق الأسواق وأشعل الخلافات داخل البرلمان.
وسعى فيليب وريتيّلو إلى تقديم نفسيهما كقادة مسؤولين ماليًا، مطالبين بخفض الإنفاق العام وكبح العجز، وهو ما دفعهما إلى معارضة ميزانية الضمان الاجتماعي التي أُقرت بفارق ضئيل هذا الشهر، والدخول في مواجهة سياسية حادة حول مشروع ميزانية الدولة.
غير أن هذا الموقف المبدئي، بحسب مراقبين، لم يحقق لهما المكاسب المتوقعة شعبياً.
وقال بيير-هنري دومون، نائب الأمين العام لحزب الجمهوريين، إن الحزب وجد نفسه «محاصراً بين رفض ميزانية تُفاقم العجز، وتحمل المسؤولية الوطنية في تأمين ميزانية للبلاد»، واصفًا الوضع بأنه «شديد التعقيد».
ويرى خبراء استطلاعات الرأي أن الأزمة أضعفت مجمل الطبقة السياسية. وقال برونو جانبارت، من مؤسسة «أوبينيون واي»، إن «جميع القادة السياسيين خرجوا أضعف من محادثات الميزانية، لأنهم حاولوا تحقيق ما يخدم المصلحة الوطنية، لا مصالح أحزابهم».
وأضاف أن هذا الضعف يصب في مصلحة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي يواصل تصدر استطلاعات الرأي رغم تراجع نسبي خلال الفترة الأخيرة.
ومع أن الانتخابات الرئاسية لا تزال على بعد أكثر من عام، فإن معركة الميزانية كانت تُعد فرصة مبكرة للمرشحين لإبراز قدراتهم في مشهد سياسي يزداد ازدحامًا. إلا أن الحسابات الانتخابية المبكرة، وفق مراقبين، ساهمت في تعقيد المشهد بدل توضيحه.
وألقى رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو باللوم على «الشهوات الحزبية» والطموحات الرئاسية المبكرة في إسقاط أول حكومة أقلية له، مؤكداً أن التنازلات التي قُدمت للأحزاب، لا سيما الاشتراكيين، لتمرير بعض البنود، أضعفت الهدف المعلن بحصر العجز عند حدود 5%.
كما كشفت الأزمة انقسامات داخل الأحزاب اليمينية نفسها، إذ تجاهل عدد من نواب الجمهوريين دعوة ريتيلو للتصويت ضد ميزانية الضمان الاجتماعي، ما أثار غضبه واعتبره «تحدياً داخلياً».
وعلى المنوال نفسه، خالف بعض نواب حزب فيليب توجيهاته وصوتوا لصالح الميزانية.
ورغم الخسائر السياسية الآنية، يرى مقربون من فيليب أن التمسك بالخط المحافظ اقتصادياً قد يؤتي ثماره على المدى الطويل. وقال النائب والوزير السابق لوران ماركانجيلي: «قد لا يكون هذا الموقف شعبياً الآن، لكنه ضروري لبناء مصداقية حقيقية في المستقبل».
وبينما تستمر تداعيات فوضى الميزانية، يبدو أن اليمين التقليدي خرج من هذه الجولة مثقلاً بالانقسامات، في وقت يواصل فيه اليمين المتطرف ترسيخ موقعه كأكبر المستفيدين من ارتباك خصومه.



