Site icon أوروبا بالعربي

رغم الحرب التجارية مع الولايات المتحدة… اقتصاد منطقة اليورو يحقق نموًا متواضعًا

في تحدٍّ واضح للضغوط الناتجة عن تصاعد التوترات التجارية العالمية، أظهرت بيانات رسمية أن اقتصاد منطقة اليورو سجّل نموًا بنسبة 0.1% خلال الربع الثاني من عام 2025، متفوقًا بشكل طفيف على التوقعات التي كانت تشير إلى استقرار دون نمو.

ويأتي هذا التحسن المحدود في وقت حساس، إذ تشهد العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توترًا متزايدًا بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة بنسبة 15% على عدد من السلع الأوروبية بداية من أبريل الماضي، في خطوة أعادت أجواء الحرب التجارية التي خيّمت على الاقتصاد العالمي قبل سنوات.

صمود رغم التحديات

ووفق ما أوردته المفوضية الأوروبية، فإن النتائج الاقتصادية جاءت “إيجابية على نطاق واسع”، وتعكس قدرة اقتصادات منطقة اليورو حتى الآن على الصمود في وجه تداعيات القيود التجارية الجديدة.

وتُعد هذه البيانات مؤشرا مهما قبل اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي في سبتمبر المقبل، وسط نقاشات محتدمة بشأن جدوى خفض أسعار الفائدة، في ظل استمرار الضغوط التضخمية الناتجة عن اضطرابات سلاسل التوريد وتكلفة الواردات المرتفعة.

وقالت فرانزيسكا بالماس، كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في “كابيتال إيكونوميكس”، إن “الأداء العام للمنطقة يعكس مقاومةً نسبية للصدمات، ولكن الصورة تصبح أكثر قتامة إذا نظرنا إلى التفاصيل القطاعية والجغرافية”.

ألمانيا وإيطاليا في دائرة التباطؤ

فبينما أظهرت بعض الاقتصادات تحسناً طفيفاً، كانت ألمانيا وإيطاليا، وهما أكبر اقتصادين صناعيين في الاتحاد الأوروبي، من أبرز المتأثرين بالقيود التجارية، حيث سجّل كلٌّ منهما انكماشاً بنسبة 0.1% خلال نفس الفترة.

وأضافت بالماس: “الاقتصاد الألماني لا يزال عند مستواه ما قبل الجائحة، ولم يحقق بعد تعافيًا حقيقيًا. ويُتوقّع أن تتعرض برلين لمزيد من الضغوط بسبب اعتمادها الكبير على قطاعي السيارات والآلات الصناعية، اللذين يتأثران مباشرة بالتعريفات الجمركية الأميركية.”

وتوقعت المحللة أن تشهد ألمانيا بداية انتعاش في عام 2026، مع دخول حزم تحفيز مالي جديدة حيّز التنفيذ، إلا أن 2025 سيظل عامًا صعبًا بالنسبة للاقتصاد الصناعي الأول في القارة.

إسبانيا تتصدر المشهد

في المقابل، واصل الاقتصاد الإسباني أداءه القوي، وسجّل نموا بنسبة 0.7% في الربع الثاني، ليُصنّف بذلك كأسرع اقتصاد نموًا في الاتحاد الأوروبي حاليًا.

ويُعزى هذا النمو إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الانتعاش القوي في قطاع السياحة والخدمات، إلى جانب نمو الاستهلاك المحلي والاستثمارات العقارية.

وقال محللون في بنك “سانتاندير” إن “المرونة الإسبانية تعكس إعادة توجيه ذكية للسياسات الاقتصادية، مع تقليل الاعتماد على الصناعات الثقيلة وزيادة التركيز على الاقتصاد الرقمي والابتكار”.

نظرة مستقبلية مرتبكة

ورغم هذا النمو، تبقى النظرة المستقبلية مشوبة بعدم اليقين، خصوصًا مع تأثير الاتفاق التجاري الجديد بين واشنطن وبروكسل، الذي تم توقيعه في اسكتلندا، ويتضمن رفع الولايات المتحدة لرسومها الجمركية على واردات أوروبية مختارة، في مقابل تسهيلات على بعض المنتجات الأميركية داخل السوق الأوروبية.

ويرى مراقبون أن هذا الاتفاق قد يُعرقل نمو المنطقة إذا طال أمده، خصوصًا مع تراجع الصادرات الصناعية من فرنسا وألمانيا، ما قد يدفع شركات كبرى لإعادة النظر في عملياتها الإنتاجية وأسواقها المستهدفة.

البنك المركزي في موقف دقيق

ويبدو أن هذه التطورات ستضع البنك المركزي الأوروبي أمام معادلة صعبة: من جهة، هناك ضغوط للقيام بمزيد من التيسير النقدي لتشجيع النمو، ومن جهة أخرى، فإن استمرار التضخم وخطر تراجع العملة الأوروبية يدفعان إلى تبنّي سياسة نقدية حذرة.

ولم يصدر حتى الآن أي مؤشرات رسمية بشأن قرار المركزي المقبل، لكن مصادر أوروبية قالت إن “النمو الضعيف ولكن الإيجابي قد يكون كافيًا لتأجيل خفض الفائدة إلى الربع الرابع من العام على الأقل”.

ورغم أجواء الحرب التجارية وارتفاع التكاليف، نجحت منطقة اليورو في تحقيق نمو اقتصادي متواضع لكنه ثابت، مستفيدة من مرونة بعض الاقتصادات مثل إسبانيا. لكن المستقبل لا يزال غامضًا في ظل استمرار التوترات التجارية والتفاوت الواضح في أداء الدول الأعضاء، مما يُبقي المنطقة في حالة ترقب لقرارات السياسة النقدية المقبلة، ولما ستسفر عنه المفاوضات مع الولايات المتحدة.

Exit mobile version