Site icon أوروبا بالعربي

تزايد الضغوط على ميرز لمعاقبة إسرائيل بسبب حرب غزة وتصاعد عزلته داخل أوروبا

يواجه المستشار الألماني فريدريش ميرز ضغوطًا متصاعدة على خلفية رفضه دعم مساعي المفوضية الأوروبية لتعليق التعاون البحثي مع إسرائيل، وسط تنامي الإدانة الدولية للكارثة الإنسانية في قطاع غزة. وبينما تتحرك دول الاتحاد الأوروبي نحو إجراءات أكثر جرأة ضد حكومة بنيامين نتنياهو، تبدو برلين معزولة بشكل متزايد عن شركائها الأوروبيين، ومرتبكة بين التحالف التقليدي مع تل أبيب والمطالب المتزايدة بالمساءلة الإنسانية.

وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت هذا الأسبوع تعليق مشاركة إسرائيل في برنامج “هورايزون أوروبا”، وهو أحد أضخم برامج البحث العلمي الممولة من الاتحاد الأوروبي، وذلك ردًا على ما وصفته بأنه “انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني” في غزة. وتشير الوثائق التي تداولها سفراء الاتحاد إلى خطر المجاعة، وانهيار كامل للخدمات، وسقوط آلاف الضحايا المدنيين.

رغم دعم متنامٍ داخل التكتل الأوروبي لتطبيق هذه الخطوة، إلا أن ألمانيا، إلى جانب إيطاليا وثلاث دول أخرى، عارضت تمرير القرار حتى الآن. وعبّر دبلوماسيون عن امتعاضهم من موقف ميرز، واعتبروا أن إصراره على انتظار نتائج زيارة مرتقبة لوزراء خارجية أوروبيين إلى إسرائيل لا يعكس خطورة الوضع الميداني.

تغيّر في المزاج الأوروبي

تشير المعطيات الأخيرة إلى أن الموقف الألماني قد لا يصمد طويلاً. فوفق تصريحات ميرز الأخيرة، فإن برلين “تحتفظ بحقها في اتخاذ قرارات جديدة”، وأن “الحكومة الإسرائيلية يجب أن تعي أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراء فوري”.

الضغط الداخلي على ميرز يزداد أيضًا. فقد دعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم، إلى مراجعة شاملة للدعم الألماني غير المشروط لإسرائيل. وقالت النائبة ديريا تورك-ناشبور إن بلادها “بحاجة إلى قرارات أكثر واقعية”، داعية لعدم عرقلة الخطوات الأوروبية في هذا الملف.

وفي السياق نفسه، أشار دبلوماسيون أوروبيون إلى أن إيطاليا تعيد النظر في موقفها المعارض، وهو ما قد يقلب موازين التصويت إذا لحقت برلين بها. كما أعلنت هولندا دعمها لتعليق الشق التجاري من اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، وفرضت قيودًا على دخول وزراء من حكومة نتنياهو إلى أراضيها.

انقسام أوروبي متزايد

على الصعيد الأوروبي الأوسع، تلوح بوادر تشرذم في صفوف الدول الأعضاء بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل. فقد قطعت البرلمانات الوطنية في كل من هولندا والسويد عطلها الصيفية لعقد جلسات طارئة حول الوضع في غزة، بينما اعترفت إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية، في خطوة رمزية لكنها تُظهر تغيرًا جذريًا في السياسة الأوروبية.

وتعمل كل من فرنسا والمملكة المتحدة على التحضير لإعلان رسمي عن الاعتراف بفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، وهو ما سيشكل ضربة دبلوماسية لنتنياهو وحكومته.

في المقابل، تبدي دول مثل إيطاليا وبلجيكا حذرًا أكبر، وتنتظر التطورات السياسية والميدانية قبل اتخاذ خطوات اعتراف مماثلة. وقد أرجأ وزير الخارجية البلجيكي ماكسيم بريفو أي قرار إلى ما بعد سبتمبر، في ظل انقسام داخل الائتلاف الحاكم في بروكسل.

انتقادات من داخل المفوضية الأوروبية

في مؤشر على تصدع داخل قيادة الاتحاد نفسه، خرجت تيريزا ريبيرا، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، بتصريحات علنية تنتقد فيها أداء المفوضية تجاه إسرائيل، قائلة: “لقد دعوتُ فون دير لاين لاتخاذ موقف حازم منذ شهور، لكن لا أحد يريد التصرف. كل أسبوع نطلب إجراءً والنتيجة هي لا شيء”.

ريبيرا أضافت أن المفوضية يجب أن تكون مستقلة وتمثل مصالح الاتحاد، لكنها أصبحت “تعكس حساسيات الدول الكبرى”، في إشارة إلى ألمانيا تحديدًا.

عجز أوروبا في وجه المجاعة

قالت بشرى الخالدي، مسؤولة السياسات في منظمة “أوكسفام” في الأراضي الفلسطينية، إن “عجز الاتحاد الأوروبي عن اتخاذ حتى أصغر خطوة هو أمر مُخزٍ”، مضيفة: “كل دقيقة انتظار تعني موت مزيد من الأطفال في غزة”.

وبينما يستعد المجلس الأوروبي لاحتمال عقد اجتماع طارئ للتصويت على تعليق برنامج “هورايزون”، تبقى الساعات القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت برلين ستنحني للضغوط، أم أنها ستستمر في عزلتها غير المعلنة دفاعًا عن حكومة تواجه اتهامات موثقة بارتكاب انتهاكات ممنهجة بحق المدنيين في غزة.

في الوقت الحالي، يبدو أن مستقبل العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية على مفترق طرق، وأن خيار المجاملة قد نفد، تاركًا بروكسل أمام اختبار أخلاقي وسياسي صارخ: إما اتخاذ موقف حاسم، أو قبول التواطؤ بالصمت.

Exit mobile version