رئيسيشئون أوروبية

اتفاقية تجارية غامضة تُشعل توترات جديدة بين بروكسل وواشنطن حول قواعد التكنولوجيا

توصلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاقية تجارية غامضة يوم الأحد الماضي، وصفه الطرفان بأنه “انتصار”، لكن ما خلف الكواليس يثير قلقًا عميقًا داخل الأوساط الأوروبية، إذ ترى بروكسل أن الاتفاق قد يفتح الباب لهجمات أمريكية جديدة على قواعد التكنولوجيا الأوروبية الصارمة، والتي استهدفت مرارًا شركات التكنولوجيا العملاقة في وادي السيليكون.

ورغم تصريحات المفوضية الأوروبية بأن قوانينها التنظيمية الرقمية مثل “قانون الخدمات الرقمية” (DSA) و”قانون الأسواق الرقمية” (DMA) و”قانون الذكاء الاصطناعي” لم تُدرج في المفاوضات، فإن واشنطن تشير إلى أن “حواجز التجارة الرقمية” لا تزال مطروحة للنقاش.

اتفاق غامض.. ونوايا متناقضة

الاتفاق الذي أُبرم بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتضمن تفاصيل واضحة بشأن التكنولوجيا، ما سمح لكل طرف بصياغة روايته الخاصة. وبينما أكدت بروكسل أن تنظيماتها الرقمية “لم تُمس”، خرج وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك ليصرّح بأن “الهجوم الأوروبي على شركاتنا التكنولوجية سيظل على الطاولة”.

وجاءت هذه التصريحات لتكشف عن نية أمريكية للاستمرار في الضغط على بروكسل، ومحاولة ليّ ذراعها في القضايا المتعلقة بتقييد هيمنة الشركات الأمريكية على السوق الرقمية الأوروبية.

وقال جيم جوردان، الجمهوري البارز ورئيس اللجنة القضائية في الكونغرس، إن قوانين مثل DSA يجب أن تُدرج في مفاوضات مستقبلية، متعهّدًا “بالتواصل مع البيت الأبيض” لتضمينها رسميًا ضمن بنود الاتفاق التجاري المستقبلي.

هل قدمت بروكسل تنازلات فعلًا؟

تؤكد المفوضية الأوروبية أنها لم تُقدّم أي تنازلات في مجالات التنظيم الرقمي، وأن مسألة الضرائب الرقمية والحصص التقنية لم تُطرح أصلًا. إلا أن وثيقة البيت الأبيض التي صدرت لاحقًا كشفت أن الاتحاد الأوروبي قد تراجع عن المضي قدمًا في تطبيق “رسوم الشبكة”، وهي خطوة أثارت جدلًا واسعًا في السابق واعتُبرت تهديدًا مباشرًا لعمالقة التكنولوجيا الأمريكيين مثل Netflix وYouTube.

وأكد المتحدث باسم المفوضية أولوف جيل أن تعليق المقترح لا يمس استقلال الاتحاد الأوروبي في المجال التنظيمي، لكن محللين يرون أن هذه الخطوة قد تُفسّر أمريكيًا على أنها تنازل أولي، وذريعة لشن هجمات سياسية واقتصادية جديدة ضد سياسات بروكسل.

ما هو جوهر الأزمة؟

الأزمة بين الجانبين تدور حول الحق في تنظيم السوق الرقمية، وهو ما تعتبره المفوضية مسألة سيادية، بينما ترى واشنطن أن بعض التشريعات الأوروبية تتعمد استهداف شركاتها العملاقة مثل Apple وMeta وGoogle.

وتشتد المعركة حول ثلاث حزم تشريعية أساسية:

قانون الخدمات الرقمية (DSA): يفرض قواعد صارمة على المحتوى الإلكتروني، وتتهمه واشنطن بأنه “رقابة ناعمة”.

قانون الأسواق الرقمية (DMA): يقيّد نفوذ الشركات المهيمنة، وتراه الشركات الأمريكية “تمييزًا”.

قانون الذكاء الاصطناعي: يتطلب التزامات تنظيمية قد تُعيق الابتكار حسب وصف بعض الأطراف الأمريكية.

بروكسل تحت المراقبة

ويرى خبراء أن الاتفاق التجاري الذي تم التوصل إليه لن ينهي الصراع، بل قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى الحذر في فرض القوانين، خصوصًا مع قرب صدور قرارات حساسة في الأسابيع القادمة. من المتوقع أن تنتهي المفوضية من تحقيقاتها الجارية مع منصات كبرى مثل منصة “X” التابعة لإيلون ماسك، ما قد يشعل أزمة جديدة في حال صدور غرامات أو تقييدات.

ويقول المحلل التقني نيك راينرز من مجموعة أوراسيا: “الاتفاق لم يُنهِ المعركة، بل وضعها في الثلاجة. الاتحاد الأوروبي سيظل ينظر خلف كتفه قبل كل قرار”.

مستقبل رقمي على المحك

الاتحاد الأوروبي يدرك أن أي استسلام أمام الضغط الأمريكي سيقوّض مصداقيته كمُنظّم عالمي رائد في قضايا المحتوى الرقمي وحماية البيانات، لكن في المقابل، فإن العلاقات التجارية المعقدة مع الولايات المتحدة تجعل المواجهة المباشرة محفوفة بالمخاطر.

وفي الوقت الذي تُجمّد فيه بروكسل مؤقتًا خطة “رسوم الشبكة”، يبحث المسؤولون الأوروبيون عن بدائل تنظيمية أكثر قبولًا، دون أن تُتهم المفوضية بالرضوخ أو بـ”خرق السلام الرقمي”.

في المجمل، يبدو أن “اتفاق الأحد” ليس سوى هدنة مؤقتة في حرب تنظيمية طويلة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، حيث تُكافح أوروبا للحفاظ على سيادتها الرقمية، بينما تُناور واشنطن لحماية مصالح شركاتها العملاقة بأي وسيلة ممكنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى