ماكرون يحقق فوزاً نادراً بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية

بدا في البداية أن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة محفوفة بالمخاطر وربما معزولة. فقد قوبل الإعلان، الذي صدر الأسبوع الماضي، برفض غاضب من واشنطن وتل أبيب، وتفاوتت ردود الفعل داخليًا بين أحزاب المعارضة والداعمين المترددين.
غير أن تطورات الأيام اللاحقة أظهرت أن ماكرون لم يكن يتحرك بمفرده، بل تصدر موجة دبلوماسية تتسارع في أوروبا الغربية، تهدف إلى إحياء مطلب تاريخي للفلسطينيين يتمثل في الاعتراف بدولتهم على الساحة الدولية، بعد سنوات من الجمود السياسي والانقسامات الإقليمية.
إعلان ماكرون جعل من فرنسا أول دولة من مجموعة السبع تعلن رسميًا استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين. وبعدها، لحقت بها المملكة المتحدة وكندا، حيث أعلنت لندن أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات “جوهرية” لوقف الحرب في غزة، فيما ربطت أوتاوا موقفها بتنظيم انتخابات فلسطينية تُستبعد منها حركة حماس.
اعتراف سياسي… لا يسدّ رمق الجوعى
بالطبع، لن يوفر هذا الاعتراف لقمة العيش للغزيين الذين يواجهون المجاعة. لكنه، كما يقول مراقبون، قد يُحدث تحولاً سياسيًا حقيقيًا في الخطاب الدولي ويكسر حالة الجمود التي تعرقل تحقيق حل الدولتين.
بحسب حمزة الهراوي، مدير شركة MGH للشؤون العامة ومقرها باريس: “إنها لحظة فرنسية خالصة. هذه فرصة نادرة للدبلوماسية الفرنسية لتُحدث تأثيرًا يتجاوز حدودها”.
من خطة جماعية إلى خطوة فردية
ماكرون كان يُخطط لأن يتم الاعتراف الجماعي بفلسطين من خلال مؤتمر دولي مشترك مع السعودية ترعاه الأمم المتحدة. إلا أن تجدد القتال بين إسرائيل وحماس، والغارات الإسرائيلية على إيران، أدى إلى انهيار الفكرة وتأجيل المؤتمر الذي كان مقررًا في يونيو.
مع ذلك، لم يتراجع الرئيس الفرنسي، وواصل الدفع من أجل الاعتراف حتى في جولاته الخارجية، من جنوب شرق آسيا إلى شمال إفريقيا. ويقول السفير الفرنسي السابق كريم أميلال إن “ماكرون كان يناقش الاعتراف بفلسطين مع الجميع، ولم يكن يخفي رغبته في التحرك”.
في نهاية المطاف، قرر اتخاذ خطوة أحادية محسوبة، وهو ما وصفه مسؤول فرنسي قريب منه بأنه “مخاطرة مدروسة”، خاصة بعد أن لمس استعدادًا متزايدًا لدى حلفاء غربيين للحاق به.
تردد ألماني وصدى أوروبي
في ألمانيا، بدأت لغة الخطاب السياسي تتغير، رغم أن برلين لا تزال تتفادى الخطوات المباشرة التي قد تؤدي إلى قطيعة مع إسرائيل. فقد صرّح وزير الخارجية يوهان فادفول أن “مسار الاعتراف وحل الدولتين يجب أن يبدأ الآن”، في إشارة إلى تزايد الضغط الداخلي والخارجي على الحكومة الألمانية لتعديل مواقفها التقليدية.
في بروكسل، يتردد صدى الدعوة إلى الاعتراف بدولة فلسطينية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، إلا أن الاتحاد لم يتمكن حتى الآن من اتخاذ خطوات موحدة ضد إسرائيل، بما في ذلك تجميد برامج التعاون البحثي.
واشنطن… الحَكَم الفعلي
تبقى الولايات المتحدة هي الطرف الحاسم. فبينما تتجاهل إدارة الرئيس الأميركي الضغوط الأوروبية حتى الآن، إلا أن مؤشرات عديدة تدل على تململها من سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خاصة في ظل الكارثة الإنسانية المتصاعدة في غزة.
حتى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعروف بمواقفه المؤيدة بشدة لإسرائيل، أعرب عن قلقه من تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، قائلًا: “لا يمكنك التظاهر بعدم رؤية المجاعة”.
ماكرون في صدارة المشهد
رغم الانتقادات التي طالته داخليًا، إلا أن ماكرون أثبت أنه قادر على إعادة فرنسا إلى قلب اللعبة الدبلوماسية في الشرق الأوسط، ولو بشكل رمزي. في غياب قدرة أوروبية حقيقية على فرض حلول، فإن هذا الاعتراف قد يمثل بداية “زخم إقليمي وحيد”، بحسب السفير أميلال، يُعيد وضع القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي.
وبينما تظل نتائج الخطوة الفرنسية رهينة الاستجابات الأميركية والإسرائيلية، فإن ماكرون، على الأقل، كسب رصيدًا سياسيًا في لحظة كانت فيها باريس بحاجة إلى صوت مختلف في السياسة العالمية.



