رئيسيشؤون دولية

الاتحاد الأوروبي يخضع لترامب لتفادي حرب تجارية وأزمة تحالف

وسط أجواء من التوترات التجارية والجيوسياسية، توصّل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تجاري “بشروط غير مثالية” مع الولايات المتحدة، وصفه مسؤولون أوروبيون بأنه “الأسوأ الممكن… لكنه الأقل سوءًا”، في محاولة واضحة لتجنب حرب رسوم جمركية مدمّرة مع إدارة دونالد ترامب، وحماية ما تبقى من الشراكة عبر الأطلسي.

ووفق تصريحات من داخل المفوضية الأوروبية، فإن ما تحقق في لقاء بريستويك الاسكتلندي بين الرئيس الأمريكي ترامب ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، لم يكن نتيجة مفاوضات ندّية، بل حصيلة واقعية لميزان قوى مختل، فرضت فيه واشنطن شروطها، مستغلة اعتماد أوروبا العسكري والطاقوي المتزايد عليها.

تفاوض تحت الضغط
خلال اللقاء الذي جرى في ملعب الغولف الخاص بترامب، وبحضور وفد أوروبي رفيع، وُقعت صفقة تجارية جديدة تحد من التعريفات الجمركية الأمريكية على صادرات أوروبية، مقابل التزامات أوروبية غامضة في مجالات الزراعة والطاقة والدفاع.

لكن خلف المصافحة أمام الكاميرات، كانت أوروبا تفاوض من موقع ضعف. فبعد عقود من تقليص الإنفاق الدفاعي والاعتماد على المظلة الأمريكية، وبعد التخلي عن الطاقة الروسية، باتت دول الاتحاد رهينة للغاز الطبيعي الأمريكي وغطائه الأمني، وهو ما منح ترامب ورقة ضغط استخدمها بلا هوادة.

وقال مسؤول أوروبي في المفوضية، طلب عدم ذكر اسمه:
“لم نكن نختار بين صفقة جيدة وأخرى ممتازة… بل بين صفقة سيئة وأخرى كارثية. وهذه الأخيرة كانت ستعني حرب رسوم جمركية، وانهيار التحالف، وربما وقف دعم أوكرانيا.”

انتقادات داخلية واتهامات بالخضوع
لم تنجُ الصفقة من انتقادات واسعة داخل أوروبا.
فرئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو وصف الاتفاق بأنه “خضوع صريح”، في حين ندّد وزير المالية الألماني لارس كلينجبيل بالصفقة، معتبرًا إياها “ضعيفة وهزيلة”، وتشكل سابقة خطيرة في العلاقة مع الولايات المتحدة.

أما مفوضة التجارة السابقة سيسيليا مالمستروم، فقالت إن الاتحاد الأوروبي “قبل ضمنيًا استخدام الرسوم الجمركية كسلاح جيوسياسي”، مشيرة إلى أن ترامب يرسّخ نظامًا عالميًا جديدًا يقوم على الابتزاز الاقتصادي.

وقال كارل دي غوشت، وهو أحد أسلافها في المفوضية، إن “دعوة فون دير لاين إلى ملعب ترامب، ثم رفعه إبهامه لها كإمبراطور روماني بعد توقيع الصفقة، لخصت كل شيء”، معتبرًا أن التفاوض جرى “بإذلال كامل”.

واقع اقتصادي معقد
رغم اللهجة السياسية الغاضبة، رحّب بعض الخبراء الاقتصاديين بالاتفاق، معتبرين أنه “أفضل الممكن”. وذكر تقرير لبنك جولدمان ساكس أن الصفقة “تضع أوروبا في وضع تنافسي أفضل على المدى المتوسط، وتجنّبها نتائج أسوأ كان يمكن أن تنجم عن تصعيد تجاري واسع.”

أما بنك دويتشه فاعتبر أن الاتفاق أنقذ ما يمكن إنقاذه، خصوصًا مع إدراك الجميع أن أوروبا لا تملك حاليًا قدرة ردع اقتصادية ولا عسكرية مستقلة.

التبعية والتحالف تحت التهديد
تدرك بروكسل أن الرهان يتجاوز الاقتصاد. فترامب، الذي ألمح مرارًا إلى تقليص دعم الناتو، ربط بوضوح بين الصفقة التجارية والتزام أوروبا بزيادة الإنفاق الدفاعي. وأشارت فون دير لاين خلال حديثها للصحفيين بعد توقيع الاتفاق إلى أن الصفقة تمثل “الركيزة الثانية لإعادة بناء التحالف عبر الأطلسي”، بعد قمة الناتو الأخيرة.

في السياق ذاته، قال المفوض الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش إن “المصافحة في ملعب الغولف لم تكن مجرد خطوة رمزية، بل محاولة أخيرة لإبقاء الشراكة مع واشنطن على قيد الحياة”.

تجنب الأسوأ لا يعني النجاح
حتى من داخل دوائر صنع القرار الأوروبي، يعترف بعض المسؤولين بأن الصفقة لا تمثل نجاحًا بقدر ما تمثل تجنبًا لانهيار أكبر. وقال دان مولاني، المسؤول التجاري الأمريكي السابق: “ليس واضحًا أن اتخاذ نهج صارم مثل الصين كان سيؤتي أكله… أوروبا اختارت واقعية موجعة، لكنها قد تكون ذكية في ظل هذه الظروف.”

وصفقة التجارة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا تعكس قوة أوروبا، بل تُجسّد تراجع نفوذها وضعف استقلالها الإستراتيجي. إنها صفقة الضرورة، التي وُلدت في ظل توازن مختل، وأُجبرت فيها أوروبا على قبول ما لا تريده، فقط لتجنب ما هو أسوأ.

وكما قالت مالمستروم: “ربما لم تكن صفقة جيدة… لكنها كانت الصفقة الوحيدة الممكنة.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى