رئيس وزراء اليونان يمنع التحقيق في أكبر فضيحة احتيال زراعي بالاتحاد الأوروبي

في تطور مثير للجدل يزيد من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة اليونانية، يستخدم رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس أغلبيته البرلمانية لمنع فتح تحقيق جنائي شامل مع وزراء ومسؤولين حاليين وسابقين، يُشتبه في تورطهم في احتيال ضخم على صناديق الدعم الزراعي التابعة للاتحاد الأوروبي.
القضية، التي كشفت عنها تقارير استقصائية ومتابعات دقيقة من قبل مكتب المدعي العام الأوروبي، تتعلق بعمليات احتيال ممنهجة تم من خلالها صرف مئات الملايين من اليوروهات بشكل غير قانوني لأشخاص ومؤسسات لم يكونوا مستحقين لها، بما في ذلك مراعٍ وهمية وأعمال زراعية لم تُنفذ مطلقًا.
رئيس الوزراء يرفض التحقيق: “لا نحتاج فضائح”
خلال جلسة البرلمان الأسبوع الماضي، أعلن ميتسوتاكيس صراحة رفضه المضي قدمًا في التحقيقات، مبررًا ذلك بقوله:
“اليونان في عام 2025 لا تحتاج إلى إثارة الفضائح، بل إلى الحقائق. نسعى إلى حل نهائي للمشكلة.”
لكن المراقبين رأوا في هذا الموقف محاولة فاضحة للتغطية على شبكة فساد منظّمة تضم شخصيات نافذة داخل الحكومة، خصوصًا بعد أن تسلّم البرلمان ملفًا مؤلفًا من 3000 صفحة يحتوي على نصوص تنصت ومراسلات تكشف نوايا صريحة بالتلاعب بالأموال الأوروبية وتحصين المتورطين.
تحقيقات أوروبية: شبكة احتيال داخل مؤسسات الدولة
الملف، الذي أعده مكتب حماية الملكية الفكرية الأوروبي، وصف ما يحدث في اليونان بأنه “نموذج لمنظومة إجرامية” داخل وكالة OPEKEPE، المسؤولة عن توزيع الإعانات الزراعية، بالتعاون مع وزراء ونواب ورجال أعمال.
تظهر الوثائق وجود مخطط واسع النطاق تواطأ فيه مسؤولون حكوميون مع أفراد من القطاع الخاص لإدخال بيانات كاذبة عن مراعٍ وأراضٍ زراعية وهمية، بما في ذلك مناطق صخرية نائية وصفها أحد المسؤولين بأنها “لا تصلح حتى للصراصير”، لكنها سجلت للحصول على دعم مالي.
الوزراء في دائرة الاتهام
تشير التحقيقات إلى تورط خمسة وزراء حاليين أو سابقين، وعشرة نواب آخرين، من بينهم ليفتيريس أفجيناكيس وماكيس فوريديس، وكلاهما تولّى وزارة الزراعة ثم عُيّن لاحقًا في مناصب قريبة من رئيس الوزراء.
في رسالة مسربة، أبلغ رئيس منظمة OPEKEPE آنذاك، غريغوريس فاراس، الوزير فوريديس بوجود اختلالات جسيمة في توزيع الأموال، لكنه أُجبر على الاستقالة لاحقًا بعد كشفه للمعلومات. وبدلًا من تصحيح الوضع، سعى مسؤولو الحكومة إلى إيجاد “حل سياسي” يُرضي الجناة ويمنع المحاسبة.
بروكسل تتحرك: 400 مليون يورو تحت المجهر
نتيجةً لتراكم الأدلة، أمرت المفوضية الأوروبية الحكومة اليونانية برد نحو 400 مليون يورو، أي ما يعادل أكثر من خُمس مخصصاتها الزراعية السنوية، لحين الانتهاء من التحقيقات. ومع ذلك، فإن غياب المساءلة الداخلية يُثير غضبًا واسعًا في الأوساط الأوروبية، حيث بات يُنظر إلى أثينا كمصدر تهديد لنزاهة نظام الدعم الأوروبي بأكمله.
النظام البرلماني يحمي المتورطين
واحدة من أكبر ثغرات النظام القضائي اليوناني تكمن في أن محاسبة الوزراء تتطلب تفويضًا برلمانيًا، وهو ما تمكن ميتسوتاكيس من عرقلته مستغلًا الأغلبية التي يتمتع بها حزبه “الديمقراطية الجديدة”.
وتحذر جهات حقوقية من أن هذا الاستغلال الفج للسلطة البرلمانية لتقويض العدالة يُشكل تهديدًا مباشرًا لمبدأ سيادة القانون، ويعيد إنتاج ثقافة الإفلات من العقاب التي كانت من أسباب الأزمة المالية اليونانية سابقًا.
تساؤلات عن التواطؤ السياسي
تُظهر المحادثات المسجلة في الملف أن مسؤولين حاليين وسابقين ناقشوا بشكل مباشر كيفية عرقلة عمل المفتشين الأوروبيين، وتأمين استمرار تحويل الأموال لحلفاء الحزب، وأحيانًا باستخدام عبارات صريحة مثل: “يجب أن نطرد هؤلاء المفتشين.. يجب أن نُبقي الأموال بين أيدينا”.
وقد علّقت منظمة حماية المستهلك الأوروبية بأن الملف “يمثل نموذجًا على كيف يمكن أن تُستخدم المؤسسات العامة في خدمة شبكة مصالح حزبية خاصة”، داعية إلى “فتح تحقيق أوروبي موسّع ومحاسبة كل المتورطين”.
خاتمة: أزمة ثقة متصاعدة
تُمثّل هذه القضية واحدة من أخطر أزمات الفساد في اليونان الحديثة، وتُسلط الضوء على عمق الفجوة بين الشعارات الحكومية حول الإصلاح والشفافية، وبين الواقع المليء بالاحتيال والتواطؤ. وفي ظل استمرار رئيس الوزراء في عرقلة التحقيقات وتحصين المتورطين بحماية سياسية، فإن الثقة العامة في الدولة تتآكل، كما تتضرر صورة اليونان في الاتحاد الأوروبي.
إن المعضلة لم تعد مجرد فساد إداري، بل فضيحة سياسية كاملة الأركان تهدد بنسف مصداقية الحكومة، وإعادة اليونان إلى مربع الدولة غير الجديرة بثقة شركائها الأوروبيين.



