الاتحاد الأوروبي يطلق خطة لدفع أموال للدول الفقيرة لخفض الانبعاثات… دون تقييم آثارها

في خطوة أثارت موجة من الجدل، أقرت المفوضية الأوروبية بأنها لم تُجرِ أي تقييم اقتصادي أو بيئي شامل لخطة جديدة تدعو إلى تمويل خفض الانبعاثات في الدول الفقيرة نيابة عن الاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من ضخامة تأثير الخطة المحتملة على سياسات المناخ والإنفاق الأوروبي.
تقوم الخطة، التي تهدف إلى دعم تحقيق هدف تقليص الانبعاثات بنسبة 90% بحلول عام 2040، على مبدأ استخدام “أرصدة الكربون الدولية” – وهي آلية تسمح للدول الغنية بتمويل مشاريع خفض الانبعاثات في دول أخرى وحساب هذه التخفيضات لصالحها.
لكن المفوضية الأوروبية، في رد رسمي على طلب وثائق قدمته بوليتيكو، اعترفت بأنه لا توجد مستندات أو تحليلات تقييم أُعدّت داخل مديرية المناخ التابعة لها (DG CLIMA)، وهي الجهة المعنية بصياغة سياسات المناخ في الاتحاد.
ثلاث نقاط تُعادل 144 مليون طن
الخطة تسمح باستخدام أرصدة الكربون في حدود 3% من هدف خفض الانبعاثات، أي ما يعادل نحو 144 مليون طن متري من غازات الاحتباس الحراري، وهو ما يُعادل الانبعاثات السنوية لدولة مثل هولندا، أو 30% من إجمالي الانبعاثات المتوقعة للاتحاد في عام 2045، بحسب تقديرات منظمة مراقبة سوق الكربون غير الحكومية.
ووفقًا لحسابات أخرى، قد يصل عدد الأرصدة التي قد يشتريها الاتحاد الأوروبي إلى 700 مليون اعتماد، إذا تم توسيع نطاق استخدام هذه الآلية دون رقابة مشددة.
بلا تقييم… وبأسئلة مفتوحة
ورغم أن المتحدثة باسم المفوضية، آنا كايسا إيتكونين، أكدت أن الخطة نوقشت مع “أصحاب المصلحة” والمجموعات السياسية، إلا أنها أقرت بأن تقييم الأثر الشامل للخطة لم يتم بعد، مضيفةً أن المفوضية “تعتزم” إعداد هذا التقييم عند اقتراح التشريع التفصيلي في وقت لاحق من العام المقبل.
حتى الآن، لا تزال الكثير من الأسئلة الجوهرية دون إجابة، مثل:
كم ستكلّف هذه الأرصدة؟
هل سيدفع القطاع الخاص، أم أن العبء سيقع على دافعي الضرائب الأوروبيين؟
هل ستضمن الآليات الرقابية عدم استغلال هذه السوق لتمرير أرصدة “وهمية” أو غير فعالة؟
تحذيرات من النشطاء والمستشارين العلميين
واجهت الخطة انتقادات حادة من منظمات بيئية ومستشارين علميين داخل الاتحاد، اعتبروا أن الاعتماد على أرصدة الكربون الخارجية يُهدد بإضعاف جهود إزالة الكربون داخل أوروبا. وفي مذكرة أُرسلت إلى المفوضية في يونيو/حزيران، شدد الخبراء على أن تكلفة هذه الأرصدة “مرتفعة للغاية”، وأن الأموال التي قد تُخصص لها ستكون أفضل لو استُثمرت في التحول الصناعي داخل أوروبا.
وقال كورت فاندنبرغ، رئيس إدارة المناخ في المفوضية، إن إدارته “ليست مستعدة بالكامل” لهذا المقترح، لكنه أكد في الوقت ذاته أن هناك نية لإجراء تقييم شامل لجميع الأسئلة التفصيلية قبل تطبيق الآلية.
خطر تكرار التجربة الفاشلة
تستدعي الخطة ذكريات مؤلمة لمرحلة سابقة، شهد فيها سوق الكربون الأوروبي تدفق أرصدة مشبوهة من مشاريع وهمية، ما تسبب في انخفاض أسعار الكربون وأضعف حوافز خفض الانبعاثات. ويخشى النشطاء من أن يؤدي تكرار هذا السيناريو إلى تقويض نظام تداول الكربون الأوروبي، أحد أبرز آليات السياسة البيئية في الاتحاد.
ويرى بعض المسؤولين أن التوجه نحو استخدام أرصدة الكربون الخارجية يُمثّل حلاً عمليًا لتقاسم الأعباء المناخية عالميًا، خصوصًا إذا تم ذلك وفقًا لمعايير دقيقة وتحت رقابة دولية. وقال مفوض المناخ فوبكي هوكسترا، المدافع الرئيسي عن الخطة، إن “الاتفاقيات الدولية الجديدة تمنحنا أدوات قوية لتفادي الاعتمادات المزيفة”، في إشارة إلى تعزيز شفافية السوق.
فجوة بين الطموح والسياسة
تعكس هذه الخطة فجوة مستمرة بين طموحات الاتحاد الأوروبي في قيادة الجهود المناخية العالمية، وبين واقع السياسات غير المدروسة التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية. ومع بقاء كثير من الجوانب الفنية والمالية للخطة غير واضحة، يتزايد الضغط على المفوضية الأوروبية لإثبات أن هذه السياسة لن تتحول إلى باب خلفي لتفادي الالتزامات المناخية الفعلية داخل أوروبا.
يبقى السؤال الأهم: هل تكون أرصدة الكربون الدولية أداة للعدالة المناخية أم حيلة محاسبية جديدة تنقل العبء إلى الجنوب العالمي؟ الجواب يتوقف على ما إذا كانت المفوضية ستفي بوعدها في إعداد تقييم شامل وشفاف قبل بدء التنفيذ.



