Site icon أوروبا بالعربي

مؤشرات على تحول في سياسة برلين تجاه إسرائيل وسط انتهاكات غزة

المستشار الألماني

قال السفير الألماني السابق مارتن كوبلر إن بلاده بدأت تُظهر إشارات واضحة على إعادة النظر في التزامها التقليدي بالدعم غير المشروط لإسرائيل، وسط تصاعد الانتقادات الأوروبية لانتهاكات حقوق الإنسان في غزة. وأوضح كوبلر أن الحكومة الألمانية “تُبقي الخيارات مفتوحة” في ما يتعلق بفرض عقوبات محتملة على إسرائيل، معتبرًا ذلك تحوّلًا لغويًا وسياسيًا غير مسبوق.

منطق الدولة… لم يعد مطلقًا
على مدار عقود، شكّلت عقيدة “Staatsräson” – أو “منطق الدولة” – الإطار الأخلاقي والسياسي للدعم الألماني لإسرائيل، استنادًا إلى مسؤولية ألمانيا التاريخية عن المحرقة. لكن المذابح والمجاعات التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة دفعت بعض السياسيين والدبلوماسيين الألمان إلى مراجعة هذه المسلّمات.

في مايو/أيار، صرّح فيليكس كلاين، منسق شؤون معاداة السامية في ألمانيا، أن “ستاتسراسون لا يُبرر كل شيء”، في موقف فسّره مراقبون كإعادة تعريف للعقيدة السياسية الألمانية تجاه إسرائيل.

وفي يوليو/تموز، نشر كوبلر و12 دبلوماسيًا ألمانيًا سابقًا بيانًا مشتركًا دعوا فيه برلين إلى “كسر الصمت” والانضمام إلى مبادرات أوروبية لفرض ضغوط على إسرائيل بسبب انتهاكاتها في غزة.

إشارات سياسية جديدة
مؤخرًا، أعلن سياسيون من الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) – وهما قطبا الحكم في ألمانيا – دعمهم لمقترحات مثل تعليق مشاركة إسرائيل في برنامج الأبحاث الأوروبي “هورايزون أوروبا”، وفرض حظر جزئي على تصدير الأسلحة.

ورأى كوبلر أن “هذه اللغة الجديدة تعكس شعورًا متزايدًا داخل النخبة السياسية بأن ما يحدث في غزة لم يعد مقبولًا أو قابلًا للتبرير، لا سياسياً ولا أخلاقياً”. وأضاف: “نحن ندعم أمن إسرائيل بحكم التاريخ، لكن دعم حقوق الإنسان لا يجب أن يكون محل مساومة”.

غضب دبلوماسي داخلي
تشير التقارير إلى أن نحو 130 دبلوماسيًا ألمانيًا وجهوا دعوة رسمية لوزير الخارجية يوهان فادفول لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل. وعبّر بعضهم عن استيائهم من استمرار برلين في الالتزام بسياسة “التحاور فقط” مع الحكومة الإسرائيلية رغم فشل هذه السياسة في كبح جماح الاستيطان أو وقف تجويع المدنيين في غزة.

وصرّح كوبلر، الذي عمل سابقًا سفيرًا في العراق ومصر وممثلًا لألمانيا في الأراضي الفلسطينية، أن “نهج التحاور لم يمنع بناء مستوطنة واحدة، ولم يوقف عنف المستوطنين، ولم يردع نوايا الحكومة بضم غزة”.

تحول أوروبي أوسع
في موازاة ذلك، تشهد أوروبا تباينًا واضحًا في المواقف تجاه إسرائيل. ففي حين أن ألمانيا لا تزال تتحرك بحذر، بدأت دول مثل سلوفينيا وهولندا اتخاذ خطوات أحادية، إذ أعلنت الأولى حظر استيراد المنتجات من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما منعت الثانية دخول وزيرين إسرائيليين متطرفين إلى أراضيها.

وفي يونيو/حزيران، خلص تقرير داخلي لدائرة العمل الخارجي الأوروبية إلى أن إسرائيل انتهكت بندًا جوهريًا يتعلق بحقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، ما يفتح الباب أمام عقوبات رسمية على المستوى الأوروبي.

وعلّق دبلوماسي فرنسي قائلاً إن بلاده ستدعم المقترح الأوروبي بالعقوبات إذا لم تلتزم إسرائيل بمطالب باريس، ومنها استئناف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، ووقف التوسع الاستيطاني، وتعليق أنشطة مؤسسة إغاثية مثيرة للجدل في غزة.

تغيّر في نبرة الخارجية الألمانية
أثناء زيارته لإسرائيل الأسبوع الماضي، استخدم وزير الخارجية فادفول لهجة غير معهودة حين وصف المستوطنين المتطرفين بـ”الإرهابيين”، وركّز على دور الأمم المتحدة في الحل السياسي، مستلهماً على ما يبدو من مؤتمر فرنسي-سعودي بشأن حل الدولتين عُقد مؤخرًا في نيويورك.

لكن برلين ما تزال ترفض الانضمام إلى فرنسا وكندا وبريطانيا في الاعتراف بدولة فلسطينية، متمسكةً بأن الاعتراف لا بد أن يكون ثمرة عملية تفاوضية شاملة.

ضغوط داخلية تتزايد
سياسيون من داخل الحكومة الألمانية أبدوا مواقف متقدمة. فقد قالت سيمتي مولر، نائبة زعيم الحزب الاشتراكي، بعد زيارتها الأخيرة إلى إسرائيل، إنها “غير مقتنعة” بأن حماس هي المسؤولة عن المجاعة في غزة، معتبرة أن تل أبيب تتهرب من المسؤولية.

وفي رسالة داخلية وجهتها إلى نواب حزبها، كتبت مولر أن الحكومة الإسرائيلية “لن تتراجع دون ضغط”، داعية إلى “عواقب ملموسة” إذا لم يتم تحسين الوضع الإنساني بشكل فوري.

نظرة الألمان تتغير
وسط هذه التطورات، أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن النظرة العامة في ألمانيا تجاه إسرائيل أصبحت أكثر سلبية. وقال نوربرت روتجن، خبير السياسة الخارجية في حزب CDU: “إذا لم تتغير سياسة إسرائيل بسرعة، فإن ألمانيا ستُجبر على اتخاذ إجراءات حاسمة بالتعاون مع شركائنا”.

ويبدو أن “ستاتسراسون”، التي كانت لفترة طويلة غير قابلة للنقاش، أصبحت الآن موضع مراجعة، مع تصاعد الغضب من انتهاكات إسرائيل وتصاعد دعوات “الحوار المتوازن” الذي يضع حقوق الإنسان في صلب السياسة الخارجية الألمانية.

Exit mobile version