السلطات التركية توسّع حملتها ضد المعارضة: اعتقالات جديدة تستهدف رؤساء بلديات حزب الشعب الجمهوري

اعتقلت السلطات التركية رئيس بلدية منطقة بيوغلو في إسطنبول، إنان غوني، إلى جانب نحو 40 مسؤولًا ومساعدًا مقربًا منه، بمن فيهم حارسه الشخصي ومستشارون سياسيون. وجاءت الاعتقالات، وفق وكالة الأناضول، في إطار تحقيقات بملفات “الفساد”، غير أن مراقبين ومعارضين وصفوها بأنها استمرار لنهج حكومي يهدف إلى تحجيم حزب الشعب الجمهوري الذي يشهد تناميًا في شعبيته.
هذه التطورات تأتي بعد خمسة أشهر فقط من سجن رئيس بلدية إسطنبول البارز أكرم إمام أوغلو، المنافس الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان والمرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري لانتخابات 2028. ورغم أن التهم الموجهة إليه تتعلق بالفساد، فإن إمام أوغلو نفى بشكل قاطع أي مخالفات، معتبرًا أن القضية سياسية بامتياز تهدف إلى إقصائه من المشهد الانتخابي.
ويُنظر إلى اعتقال غوني الآن بوصفه جزءًا من استراتيجية “قطع رؤوس المعارضة المحلية”، خصوصًا في إسطنبول، المدينة التي مثلت منذ 2019 رمزًا لتراجع نفوذ حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد خسارته أكبر بلدية في البلاد لصالح إمام أوغلو.
مكاسب المعارضة تثير قلق السلطة
أداء حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية الأخيرة عزّز موقعه كخصم جاد لأردوغان، إذ نجح في الاحتفاظ ببلدية إسطنبول، وانتزع بلديات رئيسية مثل أنقرة وإزمير وبورصة وأضنة. هذا التوسع رفع نسبة التأييد الشعبي للحزب إلى 37.8% على مستوى البلاد، مع سيطرته على 35 محافظة من أصل 81، وهو ما عُدّ أكبر تهديد انتخابي لحزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم.
احتجاجات وقمع متواصل
اعتقال إمام أوغلو في مارس الماضي فجّر احتجاجات واسعة في إسطنبول ومدن أخرى، واجهتها الحكومة بحملة قمع واسعة النطاق شملت اعتقال آلاف المتظاهرين والمعارضين. ومنذ ذلك الحين، تكثفت الاعتقالات بحق شخصيات بارزة في حزب الشعب الجمهوري، ما يعكس إصرار أنقرة على تحجيم نفوذ الحزب عبر ما تصفه المعارضة بأنه “أدوات قضائية مسيّسة”.
دوافع سياسية أم ملفات فساد؟
بينما تؤكد الحكومة أن القضايا مرتبطة بتحقيقات فساد مشروعة، ترى منظمات حقوقية محلية ودولية أن التهم مجرد “غطاء قانوني” لتصفية الحسابات السياسية. وترى هذه المنظمات أن الحملة تستهدف كسر الزخم الذي اكتسبته المعارضة، ومنع شخصيات مؤثرة مثل إمام أوغلو وغوني من قيادة الشارع في الانتخابات المقبلة.
مستقبل غامض للمعارضة التركية
مع استمرار الاعتقالات وتزايد الضغط على حزب الشعب الجمهوري، تتجه تركيا نحو مرحلة سياسية أكثر انقسامًا، حيث يترسخ الاستقطاب بين سلطة متمسكة بالهيمنة على المؤسسات وبين معارضة ترى أن أي مسار انتخابي عادل أصبح مهددًا.
لكن اللافت أن القمع، بدلًا من أن يُضعف المعارضة، يبدو أنه يعزز مكانة قادتها شعبيًا، إذ بات إمام أوغلو ــ من خلف قضبان السجن ــ يُقدَّم بوصفه رمزًا للمقاومة السياسية، وهو ما قد يقوي موقعه في سباق 2028 بدلًا من إقصائه.



