Site icon أوروبا بالعربي

أوروبا عاجزة عن صياغة ضمانات أمنية حقيقية لأوكرانيا

الحرب الروسية الأوكرانية

رغم الزخم الدبلوماسي الذي رافق جولة جديدة من المحادثات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في واشنطن، لا تزال قضية الضمانات الأمنية تمثل العقدة الأصعب أمام أي اتفاق سلام محتمل مع روسيا. فبينما يطالب زيلينسكي بضمانات قوية تحول دون تكرار العدوان الروسي، لم يقترب حلفاء كييف الأوروبيون والأميركيون من التوصل إلى صيغة واضحة.

وعود مبهمة من ترامب

خلال الاجتماعات الأخيرة، تعهد ترامب بأن أوكرانيا ستحصل على حماية “مثل المادة الخامسة” في ميثاق الناتو، والتي تُلزم جميع الأعضاء بالدفاع عن أي دولة تتعرض لهجوم. لكن تصريحاته افتقرت إلى أي تفاصيل تنفيذية، الأمر الذي أثار قلقًا واسعًا في العواصم الأوروبية.

البيت الأبيض أوضح على لسان المتحدثة كارولين ليفيت أن واشنطن “استبعدت بشكل نهائي” نشر قوات برية في أوكرانيا، مؤكدة أن المسؤولية الأمنية ستقع بدرجة كبيرة على عاتق الدول الأوروبية.

خطط أوروبية مرتبكة

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أعلن أن فرق التخطيط ستجتمع قريبًا لتعزيز مقترحات الضمانات الأمنية، بما في ذلك إمكانية نشر قوة طمأنة متعددة الجنسيات. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فصرّح أن أوروبا مستعدة لنشر “قوات طمأنة” فرنسية وبريطانية وألمانية وتركية لتنفيذ عمليات جوية وبرية وبحرية.

لكن خلف هذه التصريحات الطموحة، تكمن حقيقة مربكة: لا توجد خطة واضحة أو توافق على حجم القوات أو شروط تفويضها.

مسؤول أمني أوروبي حذر من أن أي قوة تحتاج على الأقل إلى “تفويض قتالي” للدفاع عن نفسها إذا تعرضت لهجوم، لكنه أكد أنها لن تكون مسؤولة عن فرض السلام، بل ستظل هذه مهمة الجيش الأوكراني.

قيود سياسية وعسكرية

القادة الأوروبيون الذين يُبدون الحماس العلني للعب دور أكبر، يواجهون قيودًا داخلية معقدة.

في فرنسا والمملكة المتحدة، يعاني ماكرون وستارمر من ضغوط سياسية واقتصادية تحد من قدرتهم على نشر قوات واسعة في الخارج.

في ألمانيا، أكد النائب الاشتراكي الديمقراطي أندرياس شوارتز أن أي قرار بإرسال قوات يحتاج إلى موافقة البرلمان، مشيرًا إلى أن الجيش الألماني يعاني من نقص الأفراد حتى أن إرسال 5000 جندي إلى ليتوانيا يرهقه بالفعل.

بولندا، صاحبة أكبر جيش في الاتحاد الأوروبي حاليًا، ترفض إرسال قوات إلى أوكرانيا بسبب حدودها المباشرة مع روسيا وبيلاروسيا، مكتفية بتقديم دعم لوجستي.

تركيا، التي قد تُعد ورقة أساسية بفضل موقعها وجيشها الكبير، تواجه بدورها عقبات سياسية داخلية وخارجية. السفير التركي السابق لدى الاتحاد الأوروبي سليم ينيل قال إن أنقرة ستطالب “بشيء في المقابل”، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي سيحاول منعها من الاستفادة من أي تمويل دفاعي.

أما إيطاليا، فقد عبّرت رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني عن رفضها القاطع لفكرة إرسال قوات، واقترحت بدلًا من ذلك اتفاقية دفاعية مكتوبة. وحذرت من مخاطر التصعيد قائلة: “إذا قُتل أحد جنودنا، هل نتظاهر بأن شيئًا لم يحدث؟ أم نرد؟”، مشيرة إلى أن ذلك قد يدفع الناتو إلى تفعيل المادة الخامسة فورًا.

مأزق مفتوح

منذ أكثر من ثلاث سنوات، يناقش حلفاء كييف هذه المسألة دون أن يقتربوا من إجابة عملية. الحل الأكثر وضوحًا بالنسبة لأوكرانيا يظل الانضمام إلى الناتو، لكن الولايات المتحدة ــ بدعم غير معلن من بعض الأوروبيين ــ تستبعد هذه الخطوة.

في هذه الأثناء، يظل الغموض سيد الموقف: تصريحات كبيرة عن “قوات طمأنة”، لكنها غير مدعومة بخطط تنفيذية أو توافق سياسي. وهذا ما يعكس هشاشة الموقف الغربي أمام إصرار موسكو على رفض أي وجود للناتو داخل أوكرانيا.

وعليه تكشف التطورات الأخيرة أن أوروبا لا تملك حلولًا أمنية حقيقية لطمأنة أوكرانيا، وأن أي ضمانات تُطرح حتى الآن لا تتعدى إطارها النظري. وبينما يواصل زيلينسكي الإصرار على ضمانات ملموسة قبل أي اتفاق، تبدو القارة العجوز عالقة بين التزاماتها الأخلاقية تجاه كييف وقيودها السياسية والاقتصادية الداخلية، في وقت يراهن فيه بوتين على هذا الارتباك لتعزيز أوراقه التفاوضية.

Exit mobile version