الاتحاد الأوروبي يلوّح بمراجعة اتفاقه التجاري مع الولايات المتحدة بسبب ضغوط ترامب

دخلت العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مرحلة جديدة من التوتر، بعدما حذرت قيادات بارزة في المفوضية الأوروبية من أن الكتلة قد تضطر إلى إعادة النظر في اتفاقيتها التجارية المبرمة مع واشنطن إذا نفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته بمعاقبة أوروبا بسبب لوائحها التكنولوجية الصارمة.
وقالت تيريزا ريبيرا، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، في مقابلة صحفية إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون “شجاعًا” وألا “يخضع لإرادة دولة ثالثة”. وأكدت أن قوانين مثل قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية (DMA)، التي تهدف إلى تنظيم عمل شركات التكنولوجيا العملاقة، ليست محل مساومة، حتى لو كانت موضع انتقاد شديد من إدارة ترامب.
وأضافت ريبيرا: “سيادة الاتحاد الأوروبي على المحك. لا يمكننا التلاعب بقيمنا لمجرد مراعاة مخاوف الآخرين.”
وأشارت إلى أن شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل “إكس” المملوكة لإيلون ماسك تحقق أرباحًا هائلة في السوق الأوروبية، وعليها الالتزام بالقوانين مثل أي شركة أخرى.
تهديدات أمريكية ورد أوروبي
كان ترامب قد هدد هذا الأسبوع بفرض رسوم جمركية وضوابط جديدة على دول الاتحاد الأوروبي بحجة أن لوائحها الرقمية تُميّز ضد الشركات الأمريكية. واعتبرت واشنطن أن القوانين الأوروبية تمثل “رقابة مفرطة وتجاوزًا تنظيميًا”.
لكن في بروكسل، تزايدت الأصوات المطالِبة بالرد بالمثل. وقال ستيفان سيجورني، مفوض الاستراتيجية الصناعية في الاتحاد، إن اتفاقية التجارة مع واشنطن ينبغي أن تُراجع إذا تحولت تهديدات ترامب إلى سياسات فعلية، مشيرًا إلى وجود “ثورة متنامية” داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية الرد.
يُذكر أن المفوضية الأوروبية كانت قد وقّعت في يوليو/تموز الماضي اتفاقًا تجاريًا مع ترامب، تضمّن فرض تعريفة أساسية بنسبة 15% على معظم الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى تعهد غامض بشراء طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار.
وقد دافعت بروكسل عن الاتفاق باعتباره السبيل الوحيد لتجنب حرب تجارية شاملة والحفاظ على الولايات المتحدة كحليف استراتيجي، خاصة في ملفي الأمن الأوروبي وأوكرانيا. لكن الاتفاق أثار انتقادات واسعة في بعض العواصم الأوروبية، التي رأت فيه “استسلامًا محرجًا” أمام ضغوط واشنطن.
ريبيرا شككت بدورها في جدوى بعض بنود الاتفاق، قائلة: “ليست المفوضية الأوروبية هي من تشتري الطاقة، ولا حتى معظم الدول الأعضاء. الأمر في النهاية بيد الأسواق والشركات الخاصة.”
ظل غزة يخيم على بروكسل
إلى جانب التوتر التجاري، تطرقت ريبيرا إلى الصراع في غزة، حيث انتقدت عجز الاتحاد الأوروبي عن اتخاذ موقف قوي ضد إسرائيل رغم المجاعة المعلنة في القطاع. وقالت إن فشل التكتل في التوصل إلى إجراءات ملموسة لمعاقبة إسرائيل، مثل تعليق مشاركتها في برنامج الأبحاث “هورايزون”، أمر “مؤسف”، داعية إلى “التحرك بسرعة لأن الوقت ينفد”.
ويجد الاتحاد الأوروبي نفسه اليوم أمام معادلة صعبة:
من جهة، يصر على الحفاظ على استقلالية قراراته السيادية، خاصة في ملف تنظيم التكنولوجيا.
ومن جهة أخرى، لا يستطيع تجاهل أهمية الشراكة الاقتصادية والأمنية مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا والتوتر المتصاعد في الشرق الأوسط.
ويبدو أن الأشهر المقبلة ستشهد اختبارًا حاسمًا لقدرة بروكسل على الموازنة بين الدفاع عن سيادتها الرقمية والاقتصادية، وبين الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن.



