رئيسيشؤون دولية

الناتو في مواجهة أزمة الطائرات المسيّرة الروسية: أسلحة باهظة أمام تهديدات رخيصة

أثار هجوم روسي بطائرات مسيّرة رخيصة على المجال الجوي البولندي هذا الأسبوع صدمة واسعة في دوائر الأمن والدفاع الغربي.

فقد تطلب اعتراض هذه الطائرات – المصنوعة من الخشب والرغوة، وتكلف الواحدة منها نحو 10 آلاف دولار فقط – استخدام مقاتلات إف-35، وأنظمة باتريوت، وطائرات مراقبة، أي تجهيزات بمليارات الدولارات.

هذا التباين بين الكلفة المنخفضة للتهديد ورد الفعل الباهظ لحلف شمال الأطلسي (الناتو) كشف عن ثغرة استراتيجية خطيرة في استعداد الحلف لمواجهة الحروب منخفضة التكلفة.

هجوم اختبار ورسالة سياسية

بحسب مسؤولين أوروبيين، حلقت 19 طائرة مسيرة روسية فوق بولندا الأربعاء الماضي، وأسقطت قوات الناتو ثلاثة منها فقط، بينما عادة ما تحقق أوكرانيا معدلات اعتراض تتراوح بين 80 و90 في المئة في مواجهة هجمات أكبر بكثير.

وصفت المحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أولريك فرانك، الحادث بأنه “اختبار سياسي وعسكري من روسيا”.

وأضافت: “لا يمكن للناتو أن يرسل طائرات إف-16 وإف-35 في كل مرة لملاحقة هذه الطائرات الرخيصة، فهذا ليس حلاً مستداماً.”

الأخطر أن خمساً من الطائرات كانت في مسار مباشر نحو قاعدة للناتو قبل أن تعترضها مقاتلات هولندية من طراز إف-35.

شاركت أيضاً طائرة تزويد وقود، وطائرة مراقبة إيطالية، ونظام دفاع ألماني باتريوت في العملية، ما يعكس استنفاراً عالياً لمواجهة تهديد منخفض الكلفة.

ردود سياسية ودبلوماسية

أدى الحادث إلى استدعاء بولندا لاجتماع طارئ بموجب المادة الرابعة من ميثاق الناتو، فيما أغلقت بولندا ولاتفيا مجالهما الجوي الشرقي. وقال مسؤول في الحلف إن وارسو طلبت “مزيداً من المراقبة الاستخباراتية والدفاع الجوي”.

وأعلن وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أنه سيطلب من القادة العسكريين تقديم خطة لتعزيز الدفاعات الجوية فوق بولندا.

وحتى أوكرانيا عرضت المساعدة بخبرتها في التصدي لأمواج الطائرات الروسية المسيّرة.

ولطالما عُرف الدفاع الجوي بأنه نقطة ضعف في منظومة الناتو. فأنظمة مثل باتريوت الأميركي أو SAMP/T الفرنسي الإيطالي تكلف مئات الملايين، ما يجعل استخدامها ضد مسيّرات انتحارية لا يتجاوز ثمنها بضعة آلاف أمراً غير عقلاني.

وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده لا تعتمد على هذه الأنظمة لمواجهة الهجمات الليلية المتكررة، بل طورت دفاعات محلية رخيصة تشمل طائرات اعتراضية مسيّرة ووسائل حرب إلكترونية. النتيجة: قدرة على إسقاط مئات الطائرات الروسية كل ليلة بتكلفة محدودة.

من جهته الأمين العام للناتو مارك روته ناقش القضية مع سفراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وأقر بأن الحلف “لا يمكنه الاعتماد على الطائرات المقاتلة وحدها”، وهو ما وافق عليه معظم المشاركين.

بحث عن حلول بديلة

تسعى شركات أوروبية كبرى إلى تطوير أنظمة مضادة منخفضة الكلفة. فقد كشفت شركة ساب السويدية عن صاروخ جديد يُدعى نيمبريكس لمواجهة المسيّرات الصغيرة، بينما طلبت وكالة التسلح الفرنسية مقترحات لتطوير أنظمة ليزر مضادة للطائرات بدون طيار من شركات مثل MBDA وThales وSafran.

لكن التحدي مزدوج: الحاجة إلى دفاع متعدد الطبقات يجمع بين الوسائل الإلكترونية والحركية، إلى جانب سرعة التطور التكنولوجي، حيث تكيّف كل من روسيا وأوكرانيا مسيّراتهما الهجومية والدفاعية باستمرار في “دوامة سباق تسلح”.

ويرى الخبير الفنلندي تشارلي سالونيوس باستيرناك، أن الناتو تأخر كثيراً في تكييف استراتيجيته، وقال: “السؤال هو لماذا لم تستخلص أوروبا الدروس من أوكرانيا؟”

والمعضلة ليست تقنية فقط، بل مالية أيضاً. الجنرال الفرنسي السابق تييري بوركارد أوضح أن الجيوش الأوروبية لا تزال تشتري معدات على دفعات صغيرة بأسعار باهظة، بينما المطلوب هو إنتاج كميات كبيرة من أنظمة منخفضة الكلفة، حتى لو كانت قصيرة العمر.

وقال: “إذا كانت المعدات ستُدمَّر أو تُصبح قديمة بسرعة، فلا داعي لشرائها بعقود صيانة تمتد لعشرين عاماً. الأهم هو الكمية والمرونة.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى