في محاولة لمعالجة أزمة تمويل الحرب الأوكرانية، طرحت المفوضية الأوروبية مقترحًا جديدًا وُصف بأنه “مبدع قانونيًا”، يهدف إلى تحويل مليارات اليوروهات من الأصول الروسية المجمدة إلى موارد مالية لصالح كييف، دون مصادرة رأس المال نفسه بشكل مباشر.
وتهدف الخطة، التي نوقشت الخميس في اجتماع مغلق لنواب وزراء المالية ببروكسل، إلى تجاوز التعقيدات القانونية والسياسية التي عطلت استخدام هذه الأصول منذ تجميدها في 2022.
ومنذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، جُمد ما يقرب من 200 مليار يورو من الأصول الروسية داخل الاتحاد الأوروبي، معظمها محفوظ لدى مؤسسة يوروكلير المالية في بروكسل.
وحتى الآن، اقتصرت الاستفادة الأوروبية على استخدام عوائد الفوائد الناتجة عن هذه الأصول، والتي ساعدت في تمويل قرض لمجموعة السبع بقيمة 45 مليار يورو لأوكرانيا. لكن مع انتهاء صلاحية هذه الآلية واقتراب عجز كييف من 8 مليارات يورو في 2026، تبحث بروكسل عن أدوات جديدة أكثر استدامة.
جوهر الخطة الجديدة
تقترح المفوضية الأوروبية استبدال النقد المحتفظ به بسندات أوروبية قصيرة الأجل بدون فوائد، مدعومة بضمان مشترك من دول الاتحاد الأوروبي.
الآلية المقترحة: تُحوّل الأصول النقدية المجمدة إلى حساب إيداع في البنك المركزي الأوروبي.
تُصدر مقابلها سندات أوروبية عديمة الفائدة، يجري توجيه قيمتها مباشرة كقرض لأوكرانيا.
تسدد كييف هذا القرض فقط بعد أن تدفع روسيا تعويضات الحرب، بحسب ما أكدت أورسولا فون دير لاين في خطابها السنوي عن حالة الاتحاد.
الميزة القانونية: هذا الإجراء يُجنّب اتهامات الاستيلاء المباشر على الأصول الروسية، التي تعتبر من الناحية القانونية ملكًا لأطراف خاصة أو سيادية روسية.
المواقف الأولية
بحسب أربعة مسؤولين مطلعين على النقاش، قوبل المقترح بـ”حماس حذر”. إذ رحب بعض الوزراء بالفكرة باعتبارها وسيلة لزيادة التمويل دون خوض مواجهة قانونية مباشرة، بينما حذرت أطراف أخرى من مخاطر سياسية وقانونية محتملة.
وأعربت الحكومة البلجيكية وإدارة “يوروكلير” مرارًا عن قلقهما من أن أي استخدام مباشر للأصول قد يفتح الباب أمام نزاعات قضائية ويقوض الثقة بالنظام المالي الأوروبي.
تصريحات فون دير لاين
أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أمام البرلمان الأوروبي أن الهدف هو ضمان استمرار الدعم لأوكرانيا دون تحميل كييف أعباء ديون جديدة. وقالت: “لن تسدد أوكرانيا القرض إلا بعد أن تدفع روسيا التعويضات. هذه الأموال ستساعد أوكرانيا الآن، بينما يتحمل الكرملين التكلفة في المستقبل”.
وجاءت تصريحاتها في وقت يتزايد فيه الضغط على الدول الأعضاء لإيجاد حلول عملية، خصوصًا مع تراجع الدعم المالي الأميركي نتيجة الخلافات السياسية في واشنطن.
التحديات والعقبات
رغم الطابع “المبتكر” للفكرة، تواجه الخطة عدة عراقيل:
الإجماع السياسي: إصدار سندات مضمونة من الاتحاد يتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء، وهو أمر ليس مضمونًا.
المخاوف القانونية: يصر خبراء القانون والجهات المالية على أن الأصول الروسية المجمدة لا يمكن مصادرتها إلا بقرار قضائي دولي أو عبر تسوية ما بعد الحرب.
المخاطر الدبلوماسية: قد تعتبر موسكو الخطة بمثابة مصادرة مقنّعة، ما قد يثير ردود فعل انتقامية أو دعاوى أمام المحاكم الدولية.
وتواجه كييف أزمة تمويل متفاقمة، مع حاجتها الماسة لمليارات اليوروهات لإعادة الإعمار وتعزيز قدراتها الدفاعية. ومع ضغوط الميزانيات الأوروبية وفتور الدعم الأميركي، ترى بروكسل أن اللجوء إلى الأصول الروسية المجمدة قد يكون الحل الوحيد المتاح لتأمين تدفق مالي كبير ومستقر.
وعليه فإن الخطة الأوروبية الجديدة تعكس مزيجًا من الإبداع القانوني والاضطرار السياسي، إذ تحاول بروكسل الموازنة بين دعم أوكرانيا والحفاظ على قواعد النظام المالي الدولي.
لكن يبقى السؤال: هل تستطيع هذه الآلية تجاوز التعقيدات القانونية وتوحيد المواقف داخل الاتحاد الأوروبي، أم أنها ستظل مجرد فكرة أخرى على قائمة مقترحات لم تجد طريقها إلى التنفيذ؟
الجواب سيتحدد في الأسابيع المقبلة، مع ترقب صدور مقترح رسمي من المفوضية الأوروبية، قد يشكل نقطة تحول في كيفية استخدام الغرب لأحد أكبر “الأصول المجمدة” في التاريخ الحديث.

