رئيسيشئون أوروبية

الجيش الألماني يسعى إلى مضاعفة حجمه لمواجهة تحديات الناتو

يسعى الجيش الألماني (البوندسفير) إلى زيادة غير مسبوقة في عدد قواته بحلول عام 2029 وما بعده، في محاولة لتعزيز موقعه كقوة عسكرية مركزية في أوروبا.

وتأتي هذه الخطوة في سياق الضغوط المتزايدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أعضائه للاستعداد لصراع واسع النطاق محتمل مع روسيا، وفقًا لمذكرة سرية حصل عليها موقع بوليتيكو.

ووجهت المذكرة، التي كتبها قائد الجيش الألماني الفريق ألفونس مايس، مؤخرًا إلى وزارة الدفاع والمفتش العام للجيش، وحددت الحاجة إلى مضاعفة حجم القوات تقريبًا خلال العقد المقبل.

وبحسب الوثيقة، يسعى الجيش إلى رفع عدد الجنود النشطين إلى نحو 90 ألف جندي بحلول عام 2029، مقارنة بـ62 ألفًا حاليًا، وزيادة الجنود غير النشطين من 37 ألفًا إلى 64 ألفًا. وعلى المدى الأبعد، حتى عام 2035، تتوقع الخطة الحاجة إلى 45 ألف جندي نشط إضافي و15 ألف غير نشط.

وسينصب التركيز الأكبر على تعزيز قوات الدفاع الإقليمي، التي ستصبح أكبر مكوّن في البوندسفير مستقبلاً، حيث تهدف الخطة إلى أن يصل عدد أفرادها إلى 138 ألفًا بحلول عام 2029، بينهم 9,500 جندي جديد في الخدمة الفعلية.

خلفية سياسية واستراتيجية

تأتي هذه التحركات ضمن “الخطة التنظيمية لألمانيا” الرامية إلى إعادة بناء البنية العسكرية بما يتماشى مع أهداف الناتو الجديدة. ففي قمة يونيو/حزيران 2025 في لاهاي، اتفق الحلفاء على مضاعفة الجاهزية العسكرية لمواجهة صراع تقليدي عالي التقنية محتمل مع روسيا أو خصوم آخرين.

وكان المستشار الألماني فريدريش ميرز قد تعهّد بتحويل الجيش إلى “أقوى جيش تقليدي في أوروبا”، وهو وعد لقي ترحيبًا من الحلفاء لكنه أثار تساؤلات داخلية حول القدرة على تحقيق هذه الأهداف الطموحة في ظل التحديات المالية والديموغرافية.

والتحدي الأكبر الذي يواجه البوندسفير هو التجنيد. فرغم تخصيص ميزانيات دفاعية قياسية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، يعاني الجيش من صعوبة في استقطاب المجندين الجدد والاحتفاظ بهم، إذ تشير التقديرات إلى أن ربع المجندين ينسحبون خلال الأشهر الستة الأولى من الخدمة.

وللتعامل مع هذه الأزمة، تعمل الحكومة على سن قانون جديد يلزم جميع الرجال بعمر 18 عامًا بالتسجيل في الخدمة العسكرية، على أن يبقى الالتحاق طوعيًا.

لكن في حال فشل الجيش في تحقيق أهداف التجنيد، قد تعود ألمانيا إلى التجنيد الإجباري، وهو ملف حساس منذ إلغائه عام 2011. ومن المتوقع أن يُطرح مشروع القانون للتصويت في البوندستاغ منتصف ديسمبر المقبل.

التحديات التشغيلية

شددت المذكرة على أن الهيكل الحالي للجيش غير قادر على تلبية متطلبات الناتو. فإلى جانب نقص الأفراد، هناك حاجة ملحّة إلى إعادة تنظيم التدريب، وإدخال نماذج تجنيد جديدة، وتحديث المعدات.

وأشار ألفونس مايس أيضًا إلى ضرورة التكيف مع أساليب الحرب الحديثة، بما في ذلك مواجهة فقاعات منع الوصول/منع المنطقة (A2/AD)، واستخدام الأنظمة غير المأهولة والروبوتية، والحفاظ على احتياطيات كبيرة من الأفراد والمعدات.

ويعكس الوضع الراهن حجم التحديات، إذ يكافح الجيش لتجهيز اللواء الدائم الجديد في ليتوانيا – وهو التزام رئيسي تجاه الناتو – بسبب نقص في الأفراد والبنية التحتية.

البعد الأوروبي

ألمانيا ليست وحدها في هذا المسار. دول أوروبية أخرى مثل بولندا تعمل بسرعة على توسيع جيوشها تحسبًا لمواجهة طويلة الأمد مع روسيا. لكن، بحكم مكانتها الاقتصادية والسياسية، فإن برلين تواجه ضغوطًا أكبر لتولي زمام القيادة العسكرية في القارة.

مع ذلك، يرى مراقبون أن الوصول إلى الأرقام الطموحة الواردة في المذكرة يتطلب التزامًا سياسيًا وماليًا طويل الأمد، فضلًا عن معالجة التحديات الاجتماعية المرتبطة بعودة الخدمة العسكرية الإلزامية.

وتكشف المذكرة المسربة عن إدراك ألماني متزايد لحجم التحديات الأمنية في أوروبا، وتوجه نحو إعادة عسكرة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة. لكن نجاح هذه الخطط سيعتمد على قدرة برلين على إصلاح نظام التجنيد، والحفاظ على دعم سياسي داخلي، وتخصيص موارد مالية ضخمة.

وبينما يحذر الجنرال مايس من أن “حجم التهديد هائل”، يبقى السؤال: هل تستطيع ألمانيا حقًا أن تترجم هذه الطموحات إلى واقع ملموس، أم أن عقبات التجنيد والسياسة ستبقي جيشها أقل من توقعات الناتو؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى