فوضى البناء والديون تعصفان بمشروع تجديد الحي الأوروبي في بروكسل

في قلب بروكسل، حيث تقع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، تحولت شوارع الحي الأوروبي إلى موقع بناء ضخم. الهدم وإعادة التطوير يطغيان على الأجواء، والغبار والاهتزازات وضجيج المطارق أصبح المشهد اليومي للعاملين والدبلوماسيين والزوار.
ويسهدف المشروع الطموح تحويل المنطقة إلى فضاء أخضر أكثر حداثة وجاذبية بحلول منتصف عام 2026، مع إعادة تصميم دوار شومان ليصبح ممشى للمشاة مزروعًا بالأشجار، وبناء مركز مؤتمرات جديد للمفوضية الأوروبية، إضافة إلى عشرات عمليات الهدم وإعادة البناء في الشوارع المحيطة.
تكاليف متصاعدة وإحباط محلي
لكن خلف الرؤية الطموحة، تتراكم المشاكل: تضخم التكاليف، بطء التنفيذ، والنزاعات البيروقراطية.
أصحاب الأعمال المحلية يعانون. في مطعم بورو البرتغالي، قال أحد العاملين: “الوضع كارثي، خصوصًا وقت الغداء”. أما مدير مطعم بابيلون الشهير بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي، فوصف الضوضاء بأنها “محبطة”، لكنه أكد أن مديري المشروع يعدون بالانتهاء في أبريل 2026.
وأبدى موظفون في المفوضية شكوكًا أكبر، إذ قالت إحداهن: “كل ما نراه حتى الآن هو مزيد من الخرسانة”، في إشارة إلى بطء التحول إلى حي أخضر كما وُعِد.
بيروقراطية معقدة وتنسيق ضعيف
تُعاني بروكسل منذ عقود من سمعة سيئة في التخطيط العمراني، حتى صيغ مصطلح “بروكسلّية” لوصف الفوضى العمرانية في الستينيات والسبعينيات. واليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه.
رغم وجود لجنة لتنسيق مشاريع البنية التحتية بين البلديات، إلا أن غياب التنسيق واضح. اعترف ديفيد دوبوا، رئيس ديوان بلدية إتربيك المجاورة: “لدينا مشكلة تنسيق حقيقية، الأمر معقد ويتطلب مشاورات مكثفة بين البلديات المختلفة”.
والوضع المالي يضيف طبقة جديدة من التعقيد. حكومة بروكسل طلبت في يونيو من مؤسسات الاتحاد الأوروبي 3 ملايين يورو للمساعدة في تجديد دوار شومان، محذرة من تكاليف إضافية إن لم تُسد الفجوة. المفوضية الأوروبية لم ترد رسميًا بعد.
وقد وصف رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر الطلب بأنه “عار حقيقي” و”إهانة”، معتبرًا أن تمويل المشروع لا يجب أن يغطي ما أسماه “سياسة الدولة الفاشلة” في العاصمة.
وتتفاقم الأزمة مع ديون العاصمة التي تجاوزت 14 مليار يورو، مع توقع إضافة 1.6 مليار أخرى هذا العام. وكشف تحقيق لصحيفة بروكسل تايمز أن 250 مليون يورو من قروض البنية التحتية الأوروبية ربما استُخدمت لتغطية نفقات عامة، ما أثار دعوات إلى تحقيق برلماني حول شبهات احتيال مالي.
شلل سياسي
الوضع السياسي لا يقل سوءًا. بروكسل بلا حكومة إقليمية فاعلة منذ أكثر من 13 شهرًا، بعد فشل الأحزاب الستة في تشكيل ائتلاف منذ انتخابات يونيو 2024. المفاوضات تعثرت سريعًا، تاركة العاصمة في فراغ إداري يعرقل اتخاذ القرارات الضرورية.
دوبوا لخص الوضع بقوله: “الجميع يعلم أن الوضع صعب، ماليًا وسياسيًا. لم تكن لدينا حكومة أو توجيه منذ الانتخابات الأخيرة”.
ورغم كل العراقيل، تستمر أعمال البناء: الأرصفة تُنحت، الأسمنت يُصب، والسقالات ترتفع، فيما يواصل المارة التنقل عبر طرق جانبية ضيقة ومسيجة.
ويصر المسؤولون على أن دوار شومان سيكون جاهزًا في أبريل 2026، لكن خبراء يحذرون من أن المشروع قد يظل رمزًا لفوضى بروكسل القديمة: طموح كبير، لكن مثقل بالديون والبيروقراطية والخلافات.
وبينما تسعى المدينة لإعادة ابتكار نفسها مرة أخرى، يبقى السؤال: هل سينجح المشروع في تحويل الحي الأوروبي إلى نموذج عصري مستدام، أم أنه سيظل شاهدًا على تناقضات عاصمة الاتحاد الأوروبي؟



