خطة إعادة التسلح الألمانية بـ80 مليار يورو تعيد الاعتبار للصناعة الأوروبية

بعد أعوام من الاعتماد على المشتريات العسكرية الأميركية، تكشف خطة المشتريات الألمانية الجديدة عن تحول استراتيجي جذري: برلين ستوجه معظم برنامج إعادة التسلح – الذي تُقدّر قيمته بنحو 83 مليار يورو بين 2025 و2026 – إلى الصناعة الأوروبية، فيما لا يتجاوز نصيب الأسلحة الأميركية 8% فقط من إجمالي العقود.
وتُعتبر هذه الخطوة صفعة لواشنطن، وتحديدًا للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي طالب الأوروبيين مرارًا بزيادة وارداتهم من الصناعات الدفاعية الأميركية.
وتتضمن الوثيقة التي أُعدت للجنة الميزانية في البرلمان الألماني 154 عملية شراء رئيسية. وبموجب القانون الألماني، يُعرض أي عقد يفوق 25 مليون يورو على البرلمان للموافقة.
وفق القائمة: إجمالي العقود الأميركية لا يتعدى 6.8 مليار يورو.
أبرزها: 150 مليون يورو لطوربيدات طائرات P-8A من إنتاج بوينغ، و5.1 مليار يورو لمنظومة الدفاع الجوي MIM-104 باتريوت من رايثيون.
بقية العقود الأميركية تشمل صواريخ AMRAAM وESSM وحزم اتصالات، لكن جميعها تظل في هامش ضيق مقارنة بالمشاريع الأوروبية.
السياق التاريخي: ألمانيا والاعتماد على واشنطن
بين عامي 2020 و2024، أنفقت برلين أكثر من 17 مليار دولار على صفقات سلاح أميركية، وبلغت ذروة المشتريات عام 2023 عند 13.9 مليار دولار بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
وهذا جعل ألمانيا آنذاك إحدى أبرز وجهات صادرات الدفاع الأميركية إلى جانب بولندا واليابان.
لكن الاتجاه يتغير الآن، إذ تشير بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام إلى أن الأوروبيين اشتروا 64% من أسلحتهم من الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها – نسبة تسعى برلين إلى تقليصها بوضوح عبر تعزيز الإنتاج الأوروبي.
المشاريع الأوروبية الكبرى
تُظهر الخطة الألمانية التزامًا واضحًا بتعزيز الصناعة المحلية والأوروبية:
برنامج فرقاطة F-127
التكلفة: 26 مليار يورو.
التصميم: شركة TKMS الألمانية.
الهدف: توفير قدرات دفاع جوي وصاروخي بعيد المدى للبحرية الألمانية.
يوروفايتر ترانش 5
التمويل: 4 مليارات يورو لشراء طائرات جديدة في أكتوبر 2025.
إضافة: 1.9 مليار يورو لتحديث الرادارات.
الشركات: إيرباص (ألمانيا/إسبانيا)، BAE Systems (بريطانيا)، ليوناردو (إيطاليا).
الدور: سد فجوة التأخير في مشروع الجيل الجديد من المقاتلات (FCAS).
المركبات المدرعة
3.4 مليار يورو لمركبات بوكسر من إنتاج راينميتال وKNDS.
3.8 مليار يورو لمدمرة دبابات جديدة بعجلات.
صواريخ كروز توروس
التمويل: 2.3 مليار يورو لتحديثها.
الحساسية السياسية: كييف تضغط على برلين لتسليمها هذه الصواريخ، لكن القرار ما زال مؤجلًا.
الدفاع الجوي المحلي
300 مليون يورو لمنظومات IRIS-T SLM.
755 مليون يورو لصواريخ بحرية.
490 مليون يورو لصواريخ دفاع جوي قصيرة المدى.
يورودرون
التمويل: 196 مليون يورو لتطوير نظام “الكشف والتجنب”.
القيادة: إيرباص، داسو، ليوناردو.
التحديات: تأخيرات وتضخم تكاليف، لكن برلين تواصل التمويل.
إضافة إلى ذلك، خصصت ألمانيا 1.7 مليار يورو لتحديث فرقاطات F-123، و274 مليون يورو لسفينة مساعدة للأسطول، إلى جانب عقود أصغر تشمل شاحنات، طائرات مسيرة، وأجهزة اتصالات.
الدلالات السياسية
ضربة لترامب: رغم إعلان البيت الأبيض في يوليو عن صفقة مع الاتحاد الأوروبي لشراء “مئات المليارات” من الأسلحة الأميركية، تبيّن أن القرارات تُتخذ وطنيًا، وبرلين اختارت أوروبا.
تعزيز الصناعة الأوروبية: الخطة تمثل دعمًا مباشرًا لبرامج صناعية أوروبية كبرى، من الطائرات المقاتلة إلى الأنظمة البحرية.
رسالة لأوكرانيا: التردد في إرسال صواريخ توروس يكشف استمرار النهج الألماني الحذر في دعم كييف، رغم الاستثمارات الدفاعية الضخمة.
قراءة استراتيجية
تتحول ألمانيا من “مستهلك” للأسلحة الأميركية إلى “حاضنة” لصناعة أوروبية متكاملة، ما يعزز استقلالية القارة.
أوروبا قد تنقسم: بينما تميل برلين وباريس لتعزيز الصناعة المشتركة، تبقى دول مثل بولندا أكثر اعتمادًا على الأسلحة الأميركية.
انعكاسات على الناتو: تنويع مصادر التسليح قد يزيد من تعقيد التنسيق داخل الحلف، لكنه يرسخ استقلالية القرار الأوروبي عن واشنطن.



