Site icon أوروبا بالعربي

الحكومة البريطانية تتراجع عن قانون مكافحة الإسلاموفوبيا

احتجاجات المسلمين في بريطانيا

فجّر تصريح وزير الدولة للإسكان والمجتمعات والحُكم المحلي في الحكومة البريطانية ستيف ريد، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والحقوقية في البلاد بعدما لمح إلى تراجع الحكومة عن الدفع بتشريع خاص يجرّم الإسلاموفوبيا بصيغة مُعرَّفة.

وأكد ريد، على أولوية حماية حرية التعبير ورفض أي «قوانين تجديف من الباب الخلفي». ويأتي هذا الموقف فيما تسجّل جرائم الكراهية ذات الدوافع الدينية ارتفاعًا ملحوظًا، وتحديدًا ضد المسلمين، منذ اندلاع الحرب في غزة.

وقال ريد، خلال فعالية على هامش مؤتمر حزب العمال في ليفربول، إن الناس «يجب أن يحتفظوا بحق انتقاد الدين أو حتى السخرية منه»، في إشارةٍ فسّرها ناشطون بوصفها تراجعًا عن التوجّه نحو تعريف رسمي للإسلاموفوبيا واستخدامه قاعدةً لصوغ تشريع جديد.

وتزامن هذا الخطاب مع اقتراب صدور تقرير طلبته الحكومة حول الإسلاموفوبيا أعدّه وزير العدل المحافظ الأسبق دومينيك غريف، ما يعمّق انطباعًا بوجود تردّد حكومي في الانتقال من الإدانة العامة إلى الحماية القانونية المعيارية.

ضربة لمجتمعٍ تحت ضغط العداء

اعتبر قادة وناشطون مسلمين أن التصريحات تمثّل «ضربة موجعة» لأربعة ملايين مسلم في المملكة المتحدة.

وفي ندوة حضرها ممثلون عن المجتمع المدني، قال توحيد الإسلام، الرئيس التنفيذي لمجلس ليفربول الإسلامي، إن غياب المواجهة السياسية الصريحة للإسلاموفوبيا فاقم مناخ الإفلات من الوصم، داعيًا القادة إلى «أن يكونوا جريئين وشجعانًا» في تسمية العداء ضد المسلمين باسمه والعمل على تجريمه.

وتعكس البيانات الرسمية تفاقم الظاهرة: سجّلت وزارة الداخلية 10,484 جريمة كراهية دينية في العام المنتهي بمارس/آذار 2024 (+25% سنويًا).

وبلغت الجرائم ضد المسلمين 3,866 (+13%)، فيما ارتفعت الجرائم ضد اليهود إلى 3,282—أكثر من ضعف العام السابق.

وتقول مؤسسة «راني ميد» للأبحاث إن المسلمين – مع أنهم نحو 6% من السكان – يشكّلون قرابة 38% من ضحايا جرائم الكراهية الدينية.

وتشير المؤسسة إلى اتساع فجواتٍ بنيوية: الرجال المسلمون يكسبون أقل بنحو 22% من الرجال المسيحيين البيض، والنساء المسلمات يواجهن «العبء الأكبر» في الأجور وفرص التوظيف، مع ضغوط للتأقلم وتغيير المظهر في أماكن العمل.

مساواة الحماية: جدل التعريف والخصوصية

سياسيًا، تطرح المقارنة مع تعريف الحكومة الرسمي لمعاداة السامية سؤال «تكافؤ الحماية». فوزيرة الداخلية شبانة محمود ألمحت إلى أن «حلولًا محدّدة لمجتمعات محدّدة» قد تكون مناسبة، بيد أنها حذّرت في الوقت نفسه من أن تعريف الإسلاموفوبيا قد يُفهم بوصفه «معاملة خاصة» تُذكي حساسيات اجتماعية.

في المقابل، ترى قيادات مسلمة وحقوقية أن التعريف ضروري كي تتوحّد لغة الشرطة والنيابة والقضاء والمؤسسات التعليمية حول ما يُعد خطابًا أو سلوكًا معاديًا للمسلمين، بدل الاكتفاء بسقوفٍ عامة عن «جرائم كراهية» لا تلتقط خصوصية الظاهرة.

ويفصل خبراء قانونيون بين «انتقاد الأديان»—المكفول بمبادئ حرية التعبير—و«التحريض والتمييز» اللذين يُجرّمان بالفعل بموجب القانون.

لكنهم يشددون على أن التعريف التشريعي للإسلاموفوبيا لا يعني سنّ «قانون تجديف»، بل يهدف إلى توضيح الأفعال والسلوكيات التي ترقى إلى عنصرية دينية ضد المسلمين أشخاصًا ومجتمعات.

هنا، تبرز الحاجة إلى «دليل تشغيلي» للسلطات يحدد الحدود العملية بين الرأي المحمي والتحريض المعاقب عليه، بما يقلل هامش الاجتهاد المتضارب عبر الدوائر والمؤسسات.

روايات سامة ووقائع يومية

يتحدث ناشطون عن دور منصات التواصل في تغذية «سرديات سامة» تستهدف الفئات المهمّشة والفقراء من غير المسلمين، قبل أن تُترجم إلى كراهية ضد المسلمين.

وتعرضت مبادرات محلية، كحملة ملصقات رمضانية في برمنغهام، لسيل من المضايقات بلغ 1,500 حادثة وفق إحدى المنظمات الإسلامية. كما يشير ممثلون لقطاع الأعمال الإسلامي إلى عوائق تمويلية وتمييزٍ في النفاذ إلى الائتمان، بما يقيّد نمو الشركات الناشئة المملوكة لمسلمين.

وبحسب مراقبين أمام الحكومة البريطانية مساران متوازيان:

مسار تشريعي–تعريفي: تبنّي تعريفٍ واضح للإسلاموفوبيا يُدمَج في الأدلة الإجرائية لمكافحة الكراهية، أسوةً بتجربة تعريف معاداة السامية، مع ضمانات صريحة لحرية التعبير.

مسار سياساتي–تنفيذي: تعزيز قدرات الشرطة والنيابة في التجريم والملاحقة، وتمويل برامج تعليمية ومجتمعية لمكافحة العنصرية الدينية، وإطلاق حوار وطني يُشرك المدارس والجامعات وأرباب العمل ومنصات التكنولوجيا.

Exit mobile version