خطة “الجدار بدون طيار” بين طموحات بروكسل واعتراضات العواصم الأوروبية

منذ أن طرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خطاب “حالة الاتحاد” الشهر الماضي فكرة بناء “جدار من الطائرات بدون طيار” لحماية حدود الاتحاد الأوروبي الشرقية من التوغلات الروسية، بات المشروع في قلب الجدل الأوروبي.
وبينما ترى فيه دول البلطيق وبولندا ردًا منطقيًا على حالة طوارئ متنامية، تنظر إليه عواصم أخرى بكثير من التشكيك، معتبرة أنه مكلف وغير واقعي وربما يتعارض مع صلاحيات حلف شمال الأطلسي.
والتصور الأولي للمفوضية يقوم على إنشاء شبكة من الرادارات، أنظمة كشف، وصواريخ اعتراضية لتأمين حدود تمتد أكثر من 3000 كيلومتر.
وأوضح المفوض الأوروبي للدفاع أندريوس كوبيليوس أن النسخة الأساسية، التي تغطي بولندا ودول البلطيق، ستُكلّف حوالي مليار يورو ويمكن تنفيذها خلال أقل من عام.
لكنه أقرّ بأن استخدام مصطلح “الجدار” قد يُعطي انطباعًا خاطئًا، قائلاً: “لن يكون خط ماجينو جديدًا” في إشارة إلى التحصينات الفرنسية الشهيرة التي التفّت عليها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان واضحًا في تحفظه: “لا يوجد جدار مثالي لأوروبا. نتحدث عن حدود بطول 3000 كلم. هل هذا ممكن بالكامل؟ لا”.
وبالنسبة لفرنسا ودول أبعد عن روسيا، تبدو الأولوية في تعزيز الدفاع الجوي الشامل، إنتاج الذخيرة، والهياكل القيادية بدل استثمار ضخم في منظومة قد لا تُشكل إلا خط دفاع جزئي.
الانقسام داخل الاتحاد
في قمة كوبنهاغن الأخيرة، ظهر الانقسام بجلاء:
ألمانيا عبّرت عن انتقادات حادة للخطة، حيث وصفها المستشار فريدريش ميرز بأنها “مبالغ فيها”.
إيطاليا واليونان طالبتا بأن تُوجّه مشاريع الدفاع الأوروبية لخدمة الكتلة بأكملها، لا الجناح الشرقي فقط.
أما فنلندا، فدعت إلى إظهار التضامن الأمني على غرار ما أظهرته الدول الأوروبية سابقًا في مواجهة جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والهجرة.
يقول رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو: “الآن هو الوقت المناسب لإظهار التضامن في المجال الأمني”.
الحاجة العسكرية قائمة… لكن ليست كافية
رغم الجدل حول الاسم والحجم، لا خلاف حول حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز قدراته ضد الطائرات المسيرة الروسية.
فحادثة الشهر الماضي حين أسقطت مقاتلات الناتو ثلاث طائرات “جيربيرا” روسية فوق بولندا باستخدام صواريخ بملايين الدولارات أظهرت فجوة واضحة: تكلفة إسقاط المسيرات تفوق بعشرات المرات ثمنها البسيط (10 آلاف دولار للوحدة).
ويحذر خبراء عسكريون من المبالغة في التعويل على الخطة. تقول النائبة الأوروبية هانا نيومان (حزب الخضر – ألمانيا): “جدار الطائرات المسيرة لن يحمينا من الهجمات السيبرانية، ولن يعالج أزمات الذخيرة أو قصور هياكل صنع القرار”.
ويضيف المحلل الدفاعي كريستيان مولينغ: “يمكن للجدار أن ينجح إقليميًا في البلطيق مثلاً، لكنه ليس الحل الكامل. إذا أردت الفوز، عليك استهداف الرأس: القيادة، اللوجستيات، والقدرة الإنتاجية”.
التمويل والواقع السياسي
لكي يُموَّل المشروع من ميزانية الاتحاد الأوروبي، يجب أن توافق عليه جميع الدول الأعضاء، وهو ما يُعقّد التنفيذ. الدول الجنوبية تخشى من استنزاف أموال أوروبية في مشروع يخدم جغرافيًا الشرق فقط، فيما ترى دول المواجهة مع روسيا أن الأمن المشترك مسؤولية جماعية.
كما أن النقاش يتجه إلى تعديل التسمية: رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريدريكسن تحدثت مؤخرًا عن “شبكة أوروبية لمكافحة الطائرات بدون طيار” بدل “جدار”، مؤكدة أن الاسم أقل أهمية من الفعالية.



