رئيسيشئون أوروبية

فون دير لاين في عين العاصفة: استقالات متكررة وتهديدات بحجب الثقة

تواجه أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، واحدة من أكثر الفترات السياسية اضطرابًا في تاريخ الاتحاد الأوروبي الحديث، إذ تجد نفسها مجددًا تحت مقصلة تصويت جديد لحجب الثقة – هو الثاني خلال ثلاثة أشهر فقط.

وبينما تستعد للدفاع عن نفسها أمام البرلمان الأوروبي يوم الاثنين، يبدو واضحًا أن هذه ليست سوى جولة أخرى في معركة طويلة الأمد حول شرعيتها وأسلوب إدارتها.

ومنذ إعادة انتخابها لولاية ثانية على رأس المفوضية في صيف 2024، لم تهدأ العواصف السياسية حول فون دير لاين. فبعد أن واجهت انتقادات بشأن شفافية قراراتها وطريقة إدارتها للصفقات التجارية الكبرى، ها هي الآن تواجه مجددًا اقتراح حجب الثقة تقدّم به مزيج غير متجانس من اليمين القومي المتطرف واليسار الراديكالي داخل البرلمان الأوروبي.

ومع أن فرص إسقاطها تبدو ضعيفة في التصويت القادم – إذ لم يجمع مقدمو الاقتراح سوى 72 توقيعًا من أصل 720 عضواً – إلا أن مجرد تكرار هذه المحاولات المتقاربة زمنياً يعكس تآكل الثقة السياسي في المفوضية برئاستها.

يقول أحد النواب الاشتراكيين الأوروبيين: “لن تسقط فون دير لاين هذا الأسبوع، لكن رصيدها السياسي ينزف ببطء. هذه ليست نهاية ولا بداية جديدة، بل مرحلة الإنهاك.”

تحالف هش داخل البرلمان الأوروبي

تعتمد فون دير لاين على ائتلاف وسطي ثلاثي يضم حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) والليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين. لكن هذا التحالف بدأ يتفكك مع تصاعد الاستياء من سياساتها.

فحتى داخل حزبها – حزب الشعب الأوروبي – ظهرت أصوات تشكّك في أدائها، خاصة بعد تراجع دور المفوضية على الساحة العالمية ومحاولتها المثيرة للجدل لتقوية علاقتها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي خطوة اعتبرها بعض قادة الاتحاد “تنازلاً عن الاستقلال الأوروبي”.

وقال نائب أوروبي من كتلتها لصحيفة بوليتيكو: “إنها لم تعد زعيمة أوروبية بالمعنى الحقيقي، بل مديرة لإدارة بيروقراطية تبحث عن رضا واشنطن وبرلين في آن واحد.”

خلافات حادة حول الميزانية والتجارة

تتزايد التوترات حول الميزانية الأوروبية طويلة الأجل (2028–2035) التي تسعى فون دير لاين إلى تمريرها، وسط رفض متنامٍ من الأحزاب اليسارية والخضر والليبراليين، الذين يتهمونها بـ”الاستسلام للمحافظين” عبر تقليص تمويل البرامج الاجتماعية والبيئية.

في الوقت نفسه، تواجه انتقادات بسبب صفقات تجارية مثيرة للجدل، أبرزها اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة التي وقعتها في ملعب ترامب للغولف في اسكتلندا، ما أثار سخرية واسعة.

كما تتعرض لضغوط بسبب اتفاقية ميركوسور مع أمريكا اللاتينية، التي يرى المعارضون أنها تضر بالمزارعين الأوروبيين وتفتح الأسواق أمام منتجات غير مطابقة للمعايير البيئية.

ويقول نائب من حزب الخضر الأوروبي: “كل اتفاقية توقعها فون دير لاين تبدو وكأنها تنازل جديد للشركات متعددة الجنسيات على حساب البيئة والعمال.”

نقمة من اليمين واليسار معاً

الغريب أن خصوم فون دير لاين يأتون من طرفي الطيف السياسي.

اليمين المتطرف، بقيادة جوردان بارديلا وجيورجيا ميلوني داخل البرلمان، يتهمها بـ”الخضوع لبروكسل” و”تقييد السيادة الوطنية”.

أما اليسار الراديكالي فيراها “أداة للنخب المالية والتجارية” تكرّس سياسة التقشف وإغلاق الحدود أمام اللاجئين.

وبين هذا وذاك، تجد فون دير لاين نفسها معزولة سياسياً، إذ لم تعد تملك الأغلبية المطلقة في البرلمان، فيما يزداد الضغط لتغيير قواعد التصويت على حجب الثقة كي يُصعّب إسقاط المفوضية مستقبلاً.

قال مسؤول أوروبي رفيع من داخل المفوضية، طلب عدم ذكر اسمه: “كثرة محاولات حجب الثقة تجعلها روتيناً بلا وزن سياسي، لكنها في الوقت نفسه تضعف صورة الاتحاد الأوروبي أمام العالم.”

إرهاق مؤسساتي وشكوك في القيادة

بعد خمس سنوات في المنصب، يبدو أن الرهان على فون دير لاين كقوة موحِّدة للاتحاد الأوروبي بدأ يتآكل. فبينما تتفاخر بإنجازات مثل “الصفقة الخضراء” و“صندوق الدفاع الأوروبي”، يرى النقاد أن إدارتها أصبحت “مرهقة، دفاعية، ومهووسة بالرمزية أكثر من النتائج”.

بل إن بعض كبار المسؤولين في بروكسل يتحدثون عن “تراجع الدور السياسي لرئيسة المفوضية” مقابل صعود زعماء دول مثل ماكرون وشولتس الذين باتوا يحتكرون المشهد الأوروبي الخارجي.

ما بعد التصويت؟

رغم أن التصويت المرتقب يوم الاثنين لن يطيح بها، إلا أن فون دير لاين تدخل مرحلة من الضعف السياسي المزمن. فكل مشروع قانون، وكل اتفاقية، وكل إخفاق دبلوماسي، سيُقرأ بعد الآن كـ”استفتاء مصغّر” على قيادتها.

يقول أحد المراقبين في بروكسل: “حتى لو نجت غداً، فالحقيقة أن أورسولا فون دير لاين أصبحت الآن رهينة البرلمان الأوروبي — باقية في المنصب، لكنها فقدت السلطة.”

ومع تصاعد التهديدات السياسية وتآكل الثقة الشعبية، يبدو أن رئيستة المفوضية الأوروبية تعيش أكثر فتراتها هشاشة منذ توليها المنصب — امرأة لم تسقط بعد، لكنها لم تعد قادرة على الحكم بثقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى