رئيسيشئون أوروبية

حملة بريد عشوائي من رجل واحد تُربك «التحكم في الدردشة» وتُهدّد تمرير القانون الأوروبي

في سابقة رقمية غير مألوفة في دهاليز صنع القرار الأوروبي، تحوّل موقع إلكتروني بسيط بناه مهندس برمجيات دنماركي خلال عطلة نهاية أسبوع إلى أداة ضغط قادرة على تعطيل مسار مشروع قانون مثير للجدل يُعرف شعبياً بـ«التحكم في الدردشة».

ويستهدف هذا المقترح إلى مكافحة مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال (CSAM) عبر تمكين السلطات من فرض فحص للمحتوى على تطبيقات التراسل المشفّر.

وصاحب المبادرة هو يواكيم، مطوّر يبلغ 30 عاماً ويقيم في ألبورغ، أطلق منصة Fight Chat Control التي تُمكّن الزوار من توليد رسائل جاهزة وإرسالها مباشرة إلى مسؤولي الحكومات الوطنية وأعضاء البرلمان الأوروبي.

ومنذ الإطلاق في أغسطس/آب، أغرقت الرسائل البريدية صناديق النواب والدبلوماسيين، ودفعت الملف إلى واجهة النقاش العام في عواصم الاتحاد.

ويقول النائب السويدي إيفين إنسير (الاشتراكيون والديمقراطيون): «نتلقى مئات الرسائل يومياً حول هذا الموضوع»، فيما تؤكد بعثات وطنية دائمة أنها تواجه تدفقاً مماثلاً.

ويمنح المقترح الأوروبي الشرطة، في ظروف محددة، سلطة إلزام خدمات مثل واتساب وسيغنال بتطبيق آليات فحص للمحتوى غير القانوني. المنتقدون يرون أن ذلك يقوّض التشفير طرفاً لطرف ويمهّد لـ«مراقبة جماعية».

وقد توالت الاعتراضات من شركات التقنية: حذّرت شركة X من تمكين «رقابة حكومية شاملة»، ولوّح سيغنال بالانسحاب من السوق الأوروبية إذا أُقرّ القانون، كما أعلن واتساب معارضته للطرح الدنماركي الذي يقود مسار التفاوض الراهن.

سياسياً، ينقسم الاتحاد الأوروبي إلى معسكرين: دول ترى أن أدوات الفحص ضرورة لحماية الأطفال، وأخرى تحذّر من خلق دولة مراقبة غير فعّالة.

ومع تولّي كوبنهاغن رئاسة مجلس الاتحاد في يوليو/تموز، قدّمت نسخة «معدّلة» تقول إنها أكثر توازناً وتُبقي المسح «ملاذاً أخيراً»، أملاً في نيل موافقة سفراء الدول الأعضاء هذا الأسبوع تمهيداً لاجتماع وزاري في لوكسمبورغ.

لكن «حملة الرجل الواحد» غيّرت المعادلة. يقدّر يواكيم أن موقعه استقبل نحو 2.5 مليون زائر حتى مطلع أكتوبر، مرجّحاً أن الحملة أفرزت ملايين الرسائل المرسلة من حسابات أصحابها مباشرة، ما يُصعّب حصر العدد.

وتجاوزت التفاعلات العالم الافتراضي: أصدرت الحكومة البولندية بياناً يرفض «المسح الشامل»، وتخطّت عريضة دنماركية 50 ألف توقيع بما يتيح نقاشاً برلمانياً، وطرح نوّاب أيرلنديون أسئلة تحت مسمّى «التحكم في الدردشة».

في المقابل، تشتكي أصوات داخل البرلمان من أن فيض الرسائل لا يسهّل الحوار الديمقراطي. تقول الألمانية لينا دوبونت (حزب الشعب الأوروبي): «هذا ليس حواراً». كما أفادت منظمات طفولة مثل يوروتشايلد بأن تواصلها مع صناع السياسات بات يصطدم بردود آلية.

أما يواكيم فيردّ بأن الكمّ الهائل «دليل على اهتمام عام أصيل… وهذا هو أقصى درجات الديمقراطية»، مؤكداً أنه موّل الموقع بنفسه وأن جهة عمله لا مصلحة لها في التشريع.

على خط المضمون، تتمسّك الحكومات ووكالات إنفاذ القانون بأن تفاقم انتشار CSAM—المعزَّز اليوم بأدوات الذكاء الاصطناعي—يستدعي حلولاً أقوى، فيما يؤكد المدافعون عن الخصوصية أن أي «باب خلفي» سيقوّض أمن الجميع ويقود إلى تسوية قانونية–تقنية مستحيلة: إما تشفير فعّال… أو رقابة ممكنة.

وبين ضغطٍ قاعدي رقمي سريع الاشتعال ومؤسسة تشريعية تتحرك بالإجماع والمواءمات، تبدو العواصم الأوروبية على الحافة.

وإذا فشل سفراء الاتحاد في تثبيت موقف موحّد هذا الأسبوع، فقد يُدفع الملف إلى جولة سادسة من محاولات التسوية—وهو انتصارٌ آخر لحملة بدأت من لوحة مفاتيح واحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى