ترامب يُغرق ضريبة المناخ العالمية على الشحن

أسفرت حملة ضغط دبلوماسية قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تأجيل تبني أول رسم/ضريبة عالمية على انبعاثات الشحن البحري لمدة عام داخل منظمة البحرية الدولية (IMO)، ما عُد هزيمة موجعة لجهود الاتحاد الأوروبي قبيل أسابيع من قمة المناخ (COP30) في البرازيل.
وجاء القرار بعد جلسات شاقة في لندن، وانتهى بتمرير مقترح سعودي للتأجيل بدعم من الولايات المتحدة وروسيا، وبفارق تصويت ضيق (57 مع التأجيل مقابل 49 ضد وامتناع 21)، مع ملاحظة تبدل مواقف دولٍ مثل الصين وامتناع دول أوروبية لديها مصالح شحن كبرى كاليونان وقبرص.
والمقترح المُجَمد كان يُعرف ضمنيًا بإطار “صافي الصفر” (Net-Zero Framework)، ويهدف إلى تسعير الكربون على وقود السفن تدريجيًا لتحفيز الانتقال إلى وقود أنظف، وتوجيه حصيلة الرسوم لتمويل التحول التكنولوجي ودعم الدول النامية.
حملة أمريكية مضادة
يُسهم الشحن بنحو 3% من انبعاثات العالم، وكان من المتوقع أن يوفر التسعير عائدات بمليارات الدولارات سنويًا لتسريع إزالة الكربون من القطاع.
لكن واشنطن قادت حملة مضادة اتسمت بالتهديد برسوم جمركية وتأخيرات تأشيرات للعاملين البحريين، وأعلنت صراحةً أنها لن “تقبل ضريبة خضراء عالمية” على الشحن.
وقد سارع البيت الأبيض إلى الاحتفاء بما اعتبره “انتصارًا ساحقًا” للشعب الأميركي، فيما وصفت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية تيريزا ريبيرا التأجيل بأنه “عار كبير”، في مؤشر على اتساع الفجوة عبر الأطلسي بشأن أدوات المناخ متعددة الأطراف.
وأقرت أوساط أوروبية بأن تراجع بعض العواصم عن التصويت أضعف الموقف الجماعي، في حين أشار مسؤول يوناني إلى أن الإطار المقترح يعول على وقود وتقنيات غير متوافرة على نطاق واسع وقد يرفع الكُلف مع تنافس الشركات على إمدادات محدودة.
من جانب الصناعة، عبرت غرفة التجارة الدولية (ICS) التي تمثل أكثر من 80% من الأسطول التجاري العالمي عن “خيبة أمل”، محذرة من أن اللايقين التنظيمي سيُبطئ الاستثمارات الضرورية في السفن والوقود منخفض الانبعاثات.
وحذرت منظمات بيئية (مثل EDF وCATF) من أن تأجيل عام يعني تجميد المسار الفني ويُرجئ أي تطبيق محتمل إلى ما بعد 2028، مع احتمال قتل المبادرة إذا نجحت ضغوط العواصم الرافضة خلال فترة “إعادة النظر”.
واللافت أن خريطة التصويت تبدلت: الصين، التي دعمت التسعير في أبريل، أيدت التأجيل الآن؛ كما امتنعت دول شحن رئيسية في أوروبا وآسيا، بينما وقفت السعودية وروسيا في طليعة المعسكر المعارض لأدوات التسعير الكربوني المتصاعدة.
وتُظهر هذه الانقسامات التوتر الدائم بين معسكرٍ يَخشى الكلفة الاقتصادية المباشرة وبين معسكرٍ يحذر من كلفة المناخ المؤجلة وضرورة إرسال إشارة سعرية واضحة للمستثمرين.
في واشنطن، انعكس التحول بوضوح في الخطاب: وصف ترامب الضريبة بأنها “خدعة خضراء عالمية”، فيما روج مسؤولون لطرحٍ يعتبر أن أي تسعير أممي سيمنح “بيروقراطية دولية غير مُنتخبة” حق فرض ضرائب غير مباشرة على شركات ومستهلكين أميركيين—وهو سرد لقي صدى في دول تعتمد على الشحن والتكرير وتخشى تمرير الكُلف إلى التجارة وسلاسل الإمداد.
لكن تقارير تحليلية أشارت إلى أن الأثر السعري للرسوم المقترحة كان محدودًا نسبيًا مقارنة بعوائدها المناخية والابتكارية.
ماذا يعني التأجيل؟ عمليًا، يدخل الملف ثلاجة عامٍ كامل داخل IMO، حيث ستسعى واشنطن وحلفاؤها إلى إحباط الفكرة تمامًا أو إعادة صياغتها كمعايير كفاءة بديلة بلا تسعير مباشر، بينما سيحاول الاتحاد الأوروبي والبرازيل وحلفاؤهما إعادة بناء ائتلاف داعم قبل جولة 2026.
في الأثناء، يبقى الاتحاد الأوروبي أمام خيار تعزيز أطره الإقليمية (كإدراج الشحن في سوق الكربون الأوروبية) لملء الفراغ العالمي—خيارٌ قد يفاقم تجزؤ القواعد ويثقل كاهل المشغلين عبر قارات متعددة بقواعد متعددة.
الحسابات السياسية: باريس–برلين تحت ضغط الصناعة
سياسيًا، يدفع قادة فرنسا وألمانيا منذ أشهر نحو “إعادة تموضع” في أجندة الاستدامة والتنافسية، وسبق أن لوحا بإسقاط قانون سلاسل الإمداد قبل تعديله، بذريعة حماية القدرة الصناعية في ظل منافسة أميركية وصينية شرسة.
لكن مؤسسات المنافسة في الاتحاد، ومعها جزء من الطيف السياسي الأوروبي، ترى أن معالجة فجوة الإنتاجية لا تكون عبر توسيع الكيانات ودمجها بقدر ما تكون عبر تعميق السوق الموحدة، وتحسين الاستثمار والابتكار، وتبسيط القواعد دون إبطالها.
وخلاصة المشهد أن “التراجع الفرنسي” عن حماس الرسالة المشتركة لا يعني انقلابًا على هدف التنافسية، بل تمييزًا بين إصلاح وإلغاء.
فالمسار الأقرب في بروكسل اليوم هو تعديلٌ تقني يعيد ضبط نطاق CSDDD وإيقاع الامتثال، بالتوازي مع مراجعةٍ منهجية لإرشادات الاندماج—لا فتح الباب واسعًا لإنشاء “أبطال” عبر تليين رقابة التركز.



