ستاندرد آند بورز تخفّض تصنيف فرنسا إلى A+: ميزانية غامضة وسياسة قلقة قبل 2027

في خطوة “غير مجدولة” زادت الضغوط على باريس، خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني السيادي لفرنسا درجةً واحدة من AA-/A-1+ إلى A+/A-1 مع نظرة مستقبلية “مستقرة”، مشيرةً إلى ارتفاع عدم اليقين حول المالية العامة وتباطؤ وتيرة الضبط المالي في غياب إجراءات إضافية كبيرة لخفض العجز.
وجاء التخفيض بعد أسبوع سياسي عاصف نجا خلاله رئيس الوزراء سِباستيان ليكورنو من اقتراحي حجب ثقة متتاليين عقب تعهّده تعليق إصلاح التقاعد المثير للجدل حتى انتخابات 2027.
وقالت «ستاندرد آند بورز» إن الغموض لا يزال مرتفعًا رغم تقديم مشروع ميزانية 2026 إلى البرلمان هذا الأسبوع، محذّرة من أن مسار خفض العجز سيكون أبطأ من المتوقع، وأن ارتفاع تكاليف اقتراض الدولة قد يتسرّب إلى تمويل الاقتصاد الأوسع.
وتتوقع الوكالة نموًا ضعيفًا بحدود 0.7% في 2025، مع “انتعاش خافت” في 2026. وتقدّر كذلك أن الدين العام قد يرتفع إلى 121% من الناتج بحلول 2028، مقارنة بنحو 112% في نهاية 2024، ما يزاحم الإنفاق العام ويضيّق هوامش السياسة المالية في السنوات المقبلة.
وقد منح تعليق إصلاح رفع سن التقاعد—الذي كان يعدّه الرئيس إيمانويل ماكرون إنجازًا مفصليًا—حكومة ليكورنو مهلة تنفّس برلمانية، لكنه أضاف كلفة جديدة إلى معادلة المالية العامة.
وقدرت تقديرات أوروبية وصحافية أثر التعليق بـنحو 400 مليون يورو في 2026 و1.8 مليار في 2027، بينما ترى الحكومة أن التهدئة المؤسسية قد تساعد على تمرير الميزانية وتخفيف المخاطر السياسية.
وشددت «ستاندرد آند بورز» على أنها تفترض تحقيق هدف العجز الحكومي 5.4% من الناتج في 2025، لكنها تشكّك في سرعة الهبوط باتجاه سقف 3% الأوروبي قبل نهاية العقد دون حزمة تصحيح إضافية.
من جانبه، أكّد وزير الاقتصاد والمالية رولان ليسكور أن مشروع ميزانية 2026 يستهدف خفض العجز إلى 4.7% العام المقبل، مجددًا التزام الحكومة بمسار التصحيح رغم التعثر السياسي. غير أن وكالات وأسواقًا عدة حذّرت من أن فجوة الثقة لن تُردم إلا بإصلاحات هيكلية وعوائد نمو أوضح.
والقرار كان مفاجئًا بالتوقيت ما عزّز الانطباع بأن الوكالة ترى مخاطر حوكمة متزايدة بعد انتخابات 2024 المبكرة وتعاقب الحكومات، ومعارك الميزانية الراهنة التي تُنذر بمفاوضات شاقة على البنود الضريبية والإنفاق الاجتماعي.
وتلفت «رويترز» ووسائل مالية إلى أن خفض التصنيف قد يوسّع فروق العائد مع السندات الألمانية، ويرفع كلفة خدمة الدين لفرنسا، في وقتٍ تحتاج فيه الحكومة إلى تمويلٍ كثيف لتدوير استحقاقات مرتفعة على مدار 2026-2028.
وبالنسبة للأسواق، يضع التخفيض باريس في نطاق الشريحة A الواحدة لدى وكالتين كبيرتين على الأقل، بعد موجة من تحذيرات النظرة والتخفيضات في الأسابيع الماضية على الكيانات السيادية والمحلية المرتبطة بالدولة.
ومع أن النظرة “المستقرة” من «ستاندرد آند بورز» تعكس توازنًا بين نقاط قوة هيكلية (حجم اقتصاد متنوع، قدرة تمويل محلية عميقة) ومكامن ضعف (دين مرتفع، سياسة مجزأة)، إلا أن استمرار الضبابية السياسية قد يُبقي علاوات المخاطر مرتفعة نسبيًا إلى حين اتضاح مسار الميزانية والإصلاحات.
ما التالي؟
سيكون امتحان 2026 حاسمًا: تمرير الميزانية مع خفض ملموس للعجز، تثبيت جدولة الدين بتكاليف يمكن تحملها، وإظهار مصداقية في قواعد إنفاق متوسطة الأجل تُقنع الوكالات بأن مسار الدين قابل للاستقرار.
من دون ذلك، قد يبقى التصنيف عرضةً لضغوط إضافية، خصوصًا إذا تعثّر النمو أو زادت كلفة الاقتراض أكثر مما تفترضه الحكومة.
وفي المقابل، قد يتيح تحسن النمو وبلوغ أهداف العجز وإصلاحات موثوقة في سوق العمل والإنفاق الاجتماعي—بما فيها صيغة مقبولة سياسيًا لملف التقاعد—استعادة بعض الثقة وتضييق الفوارق مع “المعيار الألماني”.
وحتى ذلك الحين، ستظل فرنسا تمشي على حافة التوازن بين متطلبات الاستقرار الاجتماعي وإشارات الانضباط المالي التي تنتظرها الأسواق.



