رئيسيشئون أوروبية

شركات فرنسية تتراجع عن خطاب “تحرير التجارة” مع برلين

تشهد باريس وبرلين ارتدادًا سريعًا في زخم المبادرة التي قادها رؤساء شركات فرنسية وألمانية للدفع نحو “تحرير” قواعد الاندماج وتخفيف التشريعات البيئية باسم تعزيز تنافسية الصناعة الأوروبية.

فبعد أسبوع فقط من تسريب رسالة مشتركة، صاغها رئيسا “توتال إنرجيز” و“سيمنس” نيابةً عن 46 مديرًا تنفيذيًا، وأُرسلت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، بدأت شركات فرنسية ممّن قيل إن الرسالة تتحدث باسمها في النأي بنفسها عن بعض مضامينها ونبرتها، لتتحول القضية إلى اختبار سياسي-اقتصادي لفلسفة “الأبطال الأوروبيين” في مواجهة قواعد المنافسة والحوكمة البيئية.

وطالبت الرسالة بإلغاء توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية (CSDDD) وإعادة النظر في قواعد الدمج على أساس “سوق عالمي” لا أوروبي فقط.

لماذا تتراجع شركات فرنسية الآن؟

تكشف تطورات الأيام الأخيرة أن الإجماع الظاهر لم يكن صلبًا. فبعض الشركات الفرنسية عبّرت عن تحفّظات على النبرة “الحادّة” التي تطالب بإلغاء تشريعات بيئية واجتماعية جديدة بدل إصلاحها، وعلى توصيف قواعد الاندماج باعتبارها عائقًا أمام قيام “أبطال أوروبيين”.

هذا التململ يتغذى من القلق reputational risk ومن حقيقة أن الطلب بإلغاء CSDDD يتجاوز ما يجري فعليًا في بروكسل؛ فـالبرلمان الأوروبي يتحرّك حاليًا لتقليص نطاق القانون وتخفيف التزامات الشركات، لا شطبه بالكامل.

وفي 13 أكتوبر، أيّدت اللجنة القانونية تقليص نطاق التطبيق إلى الشركات الأكبر حجمًا، وإسقاط متطلبات “خطط التحول” المناخية—وهو اتجاه “تخفيفي” لا “إلغائي”.

“الأبطال الأوروبيون” بين السردية الصناعية وقواعد المنافسة

تستند الرسالة إلى سرديةٍ قديمة–متجددة: أوروبا تحتاج “أبطالًا” صناعيين بحجم المنافسين الأميركيين والصينيين، ما يستدعي تليين رقابة الاندماجات.

لكن كبار مسؤولي المنافسة في الاتحاد الأوروبي يحذّرون من فتح “صندوق باندورا” بإضعاف القواعد؛ إذ يؤكد أوليفييه غيرسان، كبير مسؤولي المنافسة المغادر، أن التنافسية تأتي من المنافسة لا من الحجم لذاته، مستشهدًا بقضية اندماج “سيمنس-ألستوم” التي أُوقفت عام 2019 دون أن يمنع ذلك الشركتين من البقاء فاعلتين عالميًا.

وبالتوازي، تُراجع المفوضية إرشادات الاندماج لالتقاط قضايا “الابتكار والمرونة”، لكن من دون التفريط بجوهر الإنفاذ.

البيئة على الطاولة: ما بين الحكم الرشيد وتنافسية القارة

على ضفّة المجتمع المدني، صعّدت منظمات بيئية وحقوقية انتقاداتها لمحاولة “تمييع” منظومة الاستدامة الأوروبية عبر حزمة “أومنيبوس”، محذّرة من “سباقٍ نحو القاع” إذا جرى تقويض العناية الواجبة البيئية وحقوق الإنسان في سلاسل الإمداد.

كما رأت أن إضعاف أدوات المحاسبة سيُلحق الضرر بقدرة أوروبا على قيادة الصفقة الخضراء ومصداقية أهداف الحياد الكربوني.

من جهتها، دافعت “توتال إنرجيز” عن مضمون الرسالة بوصفها تلخّص “خمس أولويات” عاجلة لتحسين تنافسية أوروبا: تقليص الأعباء التنظيمية، إصلاح قواعد الاندماج على أساس منظور عالمي، وتريّث في خفض حصص التلوّث المجانية للصناعة.

ويعكس هذا الدفاع اصطفافًا أوسع من شركات صناعية كبيرة تجد في تضخم الأعباء التقنينية وازدواج التقارير المستدامة تهديدًا لقرارات الاستثمار داخل الاتحاد.

غير أن مطلب الإلغاء الشامل لـCSDDD يبقى أبعد من المزاج التشريعي السائد حاليًا في البرلمان، حيث تسير الرياح باتجاه التخفيف وإعادة الاستهداف لا الإلغاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى