بروكسل تتجه نحو تفكيك جوجل: صدام غير مسبوق بين الاتحاد الأوروبي وعملاق التكنولوجيا الأمريكي

تواجه شركة جوجل واحدة من أكثر المعارك القانونية حدة في تاريخها، بعد أن وجدت المفوضية الأوروبية أن الشركة الأميركية العملاقة أساءت استخدام هيمنتها في سوق الإعلانات الرقمية، مما يمهّد الطريق أمام احتمال تفكيك هيكلي جزئي لأعمالها في أوروبا — وهو إجراء غير مسبوق في الاتحاد الأوروبي.
يأتي هذا التصعيد بعد قرار أصدرته المفوضية في سبتمبر/أيلول الماضي، خلص إلى أن جوجل احتفظت بشكل غير قانوني بسيطرتها على البنية التحتية التي تدعم الإعلان عبر الإنترنت. وطالبت المفوضية الشركة بتقديم “علاج فعّال” خلال مهلة تنتهي في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، فيما لم تستبعد خيار بيع أجزاء من أعمالها الإعلانية إذا لم تستجب جوجل بالشكل المطلوب.
وقالت تيريزا ريبيرا، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية، إن الحل الوحيد لإنهاء تضارب المصالح القائم هو “علاج هيكلي مثل بيع جزء من أعمال تكنولوجيا الإعلان”، مشيرةً إلى أن الغرامات السابقة لم تكن رادعة بما فيه الكفاية.
جوجل من جهتها رفضت الاتهامات، مؤكدةً أنها ستستأنف القرار. وقالت لي آن مولولاند، نائبة رئيس الشركة للشؤون التنظيمية: “هناك بدائل لخدماتنا أكثر من أي وقت مضى، ولا يوجد ما يمنع المنافسة في سوق الإعلانات”.
ويرى مراقبون أن بروكسل لم تعد تكتفي بالغرامات التقليدية، إذ فرضت في السابق على جوجل غرامات تجاوزت 8 مليارات يورو في قضايا مكافحة الاحتكار، دون أن تغيّر الشركة سلوكها. وقالت الخبيرة القانونية آن ويت من كلية EDHEC الفرنسية إن “الخطوات الحالية تشكّل تحوّلًا جذريًا، إذ إن الحلول الهيكلية نادرًا ما تُستخدم في الاتحاد الأوروبي”.
القضية الأوروبية تأتي في وقتٍ تواجه فيه جوجل دعوى موازية في الولايات المتحدة. فوزارة العدل الأميركية تتهم الشركة بالاحتفاظ غير القانوني باحتكارها لسوق الإعلانات عبر الإنترنت، عبر سيطرتها على المنصات التي تبيع وتشتري وتدير الإعلانات الرقمية. وقد شبهت الوزارة هذا الوضع بكون شركة مصرفية كبرى “تمتلك بورصة نيويورك نفسها”.
وفي سبتمبر الماضي، عقدت محكمة في ولاية فرجينيا جلسات استماع في القضية الأميركية، حيث دعت إدارة ترامب إلى تفكيك جوجل وبيع أصولها في قطاع الإعلانات، خصوصًا بعد استحواذها على شركة “دبل كليك” عام 2008. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة الأميركية حكمها في الأشهر المقبلة.
يرى خبراء أن التزامن بين القضيتين الأوروبية والأميركية يمثل فرصة نادرة لبروكسل لفرض إصلاح جذري على الشركة. وقالت الناشطة التقنية كوري كريدر: “إذا لم يكن الآن هو الوقت المناسب لتفكيك جوجل، فلن يكون هناك وقت آخر. فواشنطن وبروكسل أخيرًا على الموجة نفسها”.
لكن المسار القانوني في أوروبا معقد؛ فالاتحاد الأوروبي لا يمتلك نفس السوابق القضائية التي تسمح بتفكيك الشركات كما هو الحال في الولايات المتحدة. ويعتقد محللون أن المفوضية الأوروبية ستسعى أولًا إلى اتفاق طوعي مع الشركة قبل اللجوء إلى إجراء قسري.
ويرى داميان جيردين، المستشار القانوني لمجلس الناشرين الأوروبيين، أن المفوضية “لن تقبل بأقل من حلول هيكلية حقيقية” إذا فشلت المفاوضات، لأن “هيمنة جوجل على سوق الإعلانات تهدد بقاء الصحافة نفسها”.
ومع اقتراب الموعد النهائي، تجد جوجل نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما تقديم تنازلات جوهرية، أو مواجهة خطر إجبارها على الانفصال عن جزء من منظومتها الإعلانية، في خطوة قد تعيد رسم ملامح سوق الإعلانات الرقمية في العالم.



