Gaia-X: تشريح الفشل التكنولوجي الفرنسي الألماني

بينما تتصارع أوروبا على كيفية الابتعاد عن الاعتماد على شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، تكشف تجربة Gaia-X عن مثال صارخ للفشل في تحقيق السيادة الرقمية الأوروبية.
فقد أظهرت المبادرة، التي أُطلقت عام 2019 بغطاء فرنسي-ألماني، مدى صعوبة بناء مشروع تقني استراتيجي ضخم في بيئة أوروبية متعددة الأجندات والمصالح.
وقد كان الهدف من Gaia-X تأسيس بنية تحتية للحوسبة السحابية “أوروبية المنشأ” تعزز سيادة البيانات وتقلل النفوذ الأميركي والصيني في سوق الحوسبة السحابية.
ومع ذلك، وبعد خمس سنوات من الجهود والمفاوضات، وصف يان ليشيل، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Scaleway الفرنسية وأحد المؤسسين، المبادرة بأنها “فشل فادح وكارثة صناعية”، مضيفًا أن المشروع كان “إهداراً هائلاً للوقت والموارد”، ويفتقر إلى التنسيق بين الفرق الوطنية المختلفة.
وأحد أبرز أسباب الفشل هو الانقسامات العميقة بين فرنسا وألمانيا. فقد ركزت باريس على حماية الشركات المحلية وفرض استقلالية أوروبية صارمة، بينما اعتبرت برلين السيادة الرقمية مسألة تقنية بحتة، دون قطع العلاقات مع اللاعبين الدوليين.
وأدت هذه الفجوة في الرؤية إلى صراعات مستمرة حول استراتيجية Gaia-X، مما جعل من الصعب وضع تعريف واضح للسيادة الرقمية أو تطوير نهج موحد.
والتحدي الآخر كان التداخل مع الشركات الكبرى من خارج أوروبا، بما في ذلك أمازون ومايكروسوفت وجوجل، إضافة إلى شركات صينية مثل هواوي وعلي بابا.
وقد أدى حضور هذه الشركات في مجلس إدارة Gaia-X إلى تضارب مصالح واضح، إذ أصبح القرار الاستراتيجي عرضة لضغط اللاعبين الكبار الذين كان من المفترض أن تواجههم المبادرة.
وبحسب فرانشيسكو بونفيجليو، الرئيس التنفيذي السابق، فإن السماح لمقدمي الخدمات الخارجيين بالمشاركة أضعف المبادرة، وجعل الشركات الأوروبية الصغيرة عرضة للهيمنة الأجنبية.
والواقع أن الأسواق الأوروبية لم تشهد تقدمًا ملموسًا لصالح مقدمي خدمات الحوسبة السحابية المحليين، فقد استمرت هيمنة شركات أميركية عملاقة على السوق العالمية، مما قلل من تأثير أي مبادرة أوروبية. وحتى قصص النجاح النادرة، مثل Agdatahub، كانت محدودة النطاق ولم تمثل منافسة حقيقية للاعبين العالميين.
وعلى الرغم من هذه الإخفاقات، يرى الرئيس التنفيذي الحالي لأولريش أهلي أن Gaia-X لم تفشل بالكامل، إذ تمكنت المبادرة من توحيد الصناعة الأوروبية حول معايير واضحة للتعامل مع البيانات، وتطوير مساحات بيانات اتحادية يمكن استخدامها في مشاريع حيوية مثل الطاقة النووية والبنية التحتية الأساسية.
لكن هذا النجاح الجزئي لا يغطي على الهدر الكبير للوقت والموارد، ولا على الإخفاق في تحقيق طموح أوروبا بأن تصبح قوة منافسة على صعيد الحوسبة السحابية.
ويكمن الدرس الأساسي من تجربة Gaia-X في إدراك تعقيدات التنسيق الأوروبي: كل دولة تسعى لحماية مصالحها، وكل شركة تحاول الدفاع عن حصتها السوقية. هذا الوضع يضاعف صعوبة اتخاذ قرارات استراتيجية واضحة ويضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على منافسة الشركات العالمية القوية.
كما يظهر أن التوجهات السياسية والتباين في الرؤى الوطنية يمكن أن يتحول إلى عقبة رئيسية أمام أي مشروع تكنولوجي طموح.
مع تحرك القادة الأوروبيين الآن لمناقشة تعزيز استقلالية التكنولوجيا الرقمية في القمة الفرنسية-الألمانية المقبلة في برلين، يبقى السؤال الرئيسي: هل سيتعلم الاتحاد الأوروبي من أخطاء Gaia-X، أم سيكرر التاريخ نفسه؟ بحسب المراقبين، فإن فرصة وضع “إصبع على النقاط المؤلمة” قائمة، لكن النجاح سيتطلب أكثر من مجرد إعلان أهداف طموحة؛ فهو يتطلب قيادة موحدة، تعريفًا مشتركًا للسيادة الرقمية، وحماية فعالة من النفوذ الخارجي.
في النهاية، تمثل Gaia-X مثالًا تحذيريًا على أن السيادة التكنولوجية الأوروبية لن تتحقق إلا بالقدرة على التغلب على الانقسامات الداخلية، وفرض رؤية استراتيجية موحدة، والحفاظ على استقلال القرار بعيدًا عن تأثيرات الشركات الكبرى العالمية. وإذا لم تُعالج هذه العقبات، فإن أي مشروع مستقبلي سيظل عرضة للفشل، مهما كانت النوايا السياسية والتصريحات الرسمية.



