إسبانيا وألمانيا في مواجهة على رئاسة البنك المركزي الأوروبي بعد لاجارد

مع اقتراب موعد انتهاء ولاية كريستين لاجارد في رئاسة البنك المركزي الأوروبي عام 2027، بدأت دولتان أوربيتان من الوزن الثقيل، إسبانيا وألمانيا، في التنافس بشكل واضح على المنصب الأعلى في واحدة من أقوى المؤسسات المالية الأوروبية.
وتُعد هذه الرئاسة محطة مركزية في صنع السياسة النقدية لمنطقة اليورو، وتمثل فرصة نادرة للحكومات الوطنية لترسيخ شخصيات موثوقة في قمة البنك المركزي الأوروبي.
وتراهن إسبانيا، التي لم تشغل المنصب قط، بقوة على مرشحها بابلو هيرنانديز دي كوس، محافظ بنك إسبانيا السابق والمدير العام الحالي لبنك التسويات الدولية.
وقد صمتت مدريد رسميًا حول أي ترشيح محتمل حتى الآن، مما أثار تكهنات واسعة بأن البلاد تستهدف الجائزة الكبرى.
وأكسبت خبرة دي كوس الطويلة، وتدريبه على يد رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، سمعة قوية له داخل الأوساط المالية الأوروبية، حيث استعاد مصداقية بنك إسبانيا بعد الأزمات المالية السابقة، وشغل رئاستين للجنة بازل للرقابة المصرفية، الجهة العالمية المسؤولة عن معايير التنظيم المصرفي.
لكن ترشيح دي كوس يحمل مخاطرة أوروبية واضحة: انتقاله إلى رئاسة البنك المركزي الأوروبي قد يؤدي إلى فقدان أوروبا لزعامة بنك التسويات الدولية، وهو المنصب الذي ظل يشغله الأوروبيون لعقود ويتيح لهم نظرة شاملة على التدفقات المالية العالمية.
ووسط تراجع النفوذ الأوروبي الاقتصادي مقارنة بالولايات المتحدة، قد يعارض البعض من واشنطن فكرة انتقال دي كوس، ما يضيف طبقة من التعقيد السياسي على المسعى الإسباني.
أما ألمانيا، التي لم تتول الرئاسة أيضًا، فتعتمد على خبرة يواكيم ناجل، رئيس البنك المركزي الألماني الحالي، كخيار محتمل ومرشح مقبول لدى غالبية الدول الأعضاء.
ويُنظر إلى ناجل باعتباره صوتًا أكثر اعتدالًا مقارنة بسابقيه، مثل أكسل فيبر وينس فايدمان، الذين عُرفوا بمواقفهم النقدية المتشددة خلال الأزمات.
ومع ذلك، قد يواجه ناجل منافسة داخل ألمانيا نفسها، حيث يُطرح اسم يورغ كوكيس، وزير مالية سابق، كخيار محتمل للترشيح. ويُعتبر كوكيس شخصية بارزة تجمع بين خبرة مالية واسعة وشبكة علاقات قوية داخل الحزب الديمقراطي الاجتماعي، ما يجعله بديلًا محتملاً في حال قررت الحكومة الألمانية توجيه دعمها له.
وبين الترشيحات الإسبانية والألمانية، يبدو أن فرنسا تراقب عن كثب، حيث أشار محافظ بنك فرنسا فرانسوا فيليروي دي جالهاو إلى دعم محتمل لمرشحة ألمانية أخرى، قد تكون إيزابيل شنابل، رئيسة الأسواق الحالية في البنك المركزي الأوروبي، في خطوة من شأنها توسيع الخيارات الأوروبية وتوازن القوى داخل المؤسسة.
لكن القيود القانونية على مدة البقاء في المجلس التنفيذي قد تعقد هذا الاحتمال.
وبالإضافة إلى المنافسة الإسبانية والألمانية، برزت مؤشرات على أن هولندا قد تحاول تقديم مرشح، وهو كلاس نوت، الذي سبق أن ترأس البنك المركزي الهولندي لمدة 14 عامًا، ولديه خبرة واسعة في السياسة النقدية وإدارة الأزمات.
ويمتلك نوت علاقات مهمة مع صندوق النقد الدولي وآلية الاستقرار الأوروبية، لكنه يحتاج إلى البقاء مرئيًا وذا صلة بالسياسة الأوروبية خلال العامين المقبلين لإثبات قدرته على المنافسة على المنصب.
والمعركة القادمة على رئاسة البنك المركزي الأوروبي لن تكون مجرد سباق بين شخصيات، بل اختبارًا لتوازن القوى داخل الاتحاد الأوروبي، وقدرة الدول الكبرى على توجيه السياسات النقدية المستقبلية لمنطقة اليورو.
بينما تبحث إسبانيا عن استعادة تمثيلها المفقود لفترة طويلة، تسعى ألمانيا للحفاظ على موقع قيادي متوازن ومقبول لدى الدول الأعضاء، ما يبرز الأهمية الاستراتيجية لهذا المنصب وتأثيره المحتمل على الاقتصاد الأوروبي العالمي.
ويشير السباق على رئاسة البنك المركزي الأوروبي إلى تحولات كبيرة في التوازن السياسي والمالي داخل الاتحاد الأوروبي، مع تسليط الضوء على دور الشخصيات الفردية ذات الخبرة المصرفية والسياسية في تحديد مستقبل السياسة النقدية الأوروبية.
ومع اقتراب عام 2027، ستصبح المداولات والمفاوضات بين الدول الأعضاء حاسمة لتحديد من سيقود واحدة من أهم المؤسسات المالية في العالم، في لحظة حاسمة تواجه فيها أوروبا تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب قيادة قوية وذات رؤية استراتيجية.



