ميرز يواجه تمردًا داخليًا من المحافظين الشباب بشأن إصلاح نظام التقاعد الألماني

يواجه المستشار الألماني فريدريش ميرز تحديًا سياسيًا غير مسبوق من داخل صفوف حزبه الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بعد تهديد مجموعة من 18 نائبًا شابًا في الكتلة المحافظة بإفشال خطة إصلاح نظام التقاعد التي اقترحتها حكومة الائتلاف.
وتمثل هذه المعارضة الداخلية اختبارًا صارمًا لمتانة حكومة ميرز، التي تعتمد على أغلبية ضيقة في البرلمان لا تتجاوز 12 مقعدًا، مما يجعل أي انقسام ولو محدودًا خطرًا على استقرار الحكومة وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الضرورية.
وتتعلق الخلافات بمزايا التقاعد المخطط لها، والتي يعتبرها المحافظون الشباب “سخية للغاية” وغير مستدامة، خصوصًا بالنسبة للجيل الأصغر الذي يُتوقع أن يتحمل العبء المالي الأكبر.
وعلّق ميرز خلال مؤتمر عقد نهاية الأسبوع في ولاية راينلاند بالاتينات على الانتقادات قائلاً: “هل يعتقد أحد حقًا أننا قادرون على الفوز في سباقٍ نحو القاع لتحديد من يُقدّم أدنى مستويات المعاشات التقاعدية؟ لا يُمكنك أن تكون جادًا!”، في محاولة لردع النواب الشباب عن موقفهم المعارض.
ومع ذلك، بدا واضحًا أن بعض الحاضرين شعروا بأن المستشار لم يأخذ حججهم على محمل الجد بدرجة كافية، ما يعكس توترًا متصاعدًا داخل الحزب.
وكان من المتوقع أن تُقر حزمة إصلاحات نظام التقاعد في أوائل ديسمبر/كانون الأول، كجزء من سلسلة مشاريع قوانين تهدف إلى تعزيز قدرة ألمانيا التنافسية اقتصاديًا، لكن التمرد الداخلي ألحق بتوقيت التصويت نوعًا من الشك.
وقال ميرز خلال فعالية في برلين يوم الاثنين: “آمل أن نختتم هذه المناقشة بحلول نهاية العام حتى نتمكن من دخول عام 2026 برغبة حقيقية في الإصلاح”.
في الوقت نفسه، أبدى شركاؤه في الائتلاف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي موقفًا صارمًا تجاه التعديلات، حيث شدد وزير المالية، لارس كلينغبيل، على أن “لن تُطرأ أي تعديلات أخرى على هذا القانون. سنُقرّه في البوندستاغ”، مؤكدًا عدم استعداد الحزب لإعادة التفاوض على بنود الإصلاح.
ويمثل هذا الموقف ضغطًا إضافيًا على ميرز، الذي يجد نفسه مضطرًا للموازنة بين مطالب حزبه والحفاظ على التوافق داخل الائتلاف الضعيف.
وتزداد حساسية الملف بسبب دخول جيل طفرة المواليد سن التقاعد، ما يزيد من العبء على النظام ويشكل ضغطًا ماليًا على الدولة. وتُعدّ المعاشات التقاعدية أكبر بند منفرد من الإنفاق العام، ما يجعل أي تعديل أو زيادة في الاستحقاقات مسألة مالية بالغة الأهمية.
وفي صميم التمرد الداخلي، يكمن اقتراح لتثبيت استحقاقات التقاعد بعد عام 2031، الأمر الذي يرى فيه المحافظون الشباب تجاوزًا لما تم الاتفاق عليه في الأصل، ويقدرون أن هذا سيكلف الخزينة الألمانية أكثر من 115 مليار يورو إضافية بحلول عام 2040.
وقد أدى هذا النزاع الداخلي إلى اقتراح بعض أعضاء الائتلاف، بمن فيهم وزيرة شؤون الأسرة كارين برين، بتأجيل التصويت على إصلاح نظام التقاعد لتجنب الانقسام والخلاف العلني الذي قد يضر بسمعة الحكومة واستقرارها.
وقالت برين لصحيفة هاندلسبلات الألمانية: “من المهم أن يتم التوصل إلى حلول عادلة للأغلبية الواسعة في البرلمان”، في إشارة إلى الحاجة إلى التوازن بين المصالح المالية والضغط السياسي الداخلي.
وتبرز الأزمة الحالية في نظام التقاعد الألماني كاختبار لقدرة المستشار ميرز على قيادة حكومته الائتلافية التي تعتمد على تفاهم دقيق بين المحافظين من جهة، والشركاء من الحزب الاشتراكي الديمقراطي من جهة أخرى.
كما أنها تكشف عن الصعوبات التي تواجهها الحكومات في التعامل مع الفروق الجيلية، حيث يسعى الجيل الأصغر إلى حماية مصالحه المالية المستقبلية، في حين يسعى الجيل الأكبر للاستفادة من استحقاقاته المكتسبة.
وتعكس المواجهة الحالية بين ميرز والمحافظين الشباب تحديًا حقيقيًا لمستقبل الإصلاحات الهيكلية في ألمانيا، ومؤشرًا على مدى هشاشة الحكومة في ظل الأغلبية الضيقة، وما يترتب على أي انشقاق داخل الحزب من تداعيات قد تعرقل قدرة المستشار على تحقيق التوازن بين الاستدامة المالية والمطالب الاجتماعية للأجيال المختلفة.



