تدرس الحكومة البريطانية حظر استخدام العملات المشفرة لتقديم التبرعات للأحزاب السياسية، في خطوة قد تؤثر بشكل مباشر على حزب الإصلاح بزعامة نايجل فاراج، الذي كان أول حزب سياسي بريطاني يقبل التبرعات الرقمية.
وكان حزب فاراج، الذي يحظى بشعبية متزايدة وفق استطلاعات الرأي، قد فتح الباب أمام التبرعات بالعملات المشفرة كجزء من ما وصفه بـ”ثورة التشفير” الموعودة في بريطانيا، وقد تلقى بالفعل أولى التبرعات الرقمية بعد حصوله على موافقة لجنة الانتخابات، المسؤولة عن تنظيم التمويل السياسي في المملكة المتحدة.
وأكد فاراج أن حزبه أنشأ بوابة خاصة للتبرعات المشفرة مع ضوابط مشددة لتجنب أي إساءة استخدام.
غير أن الحكومة البريطانية، التي لم تتضمن الخطط الأولية لمشروع قانون الانتخابات أي إجراءات صارمة بخصوص العملات المشفرة، بدأت مؤخرًا دراسة تدابير لحظر استخدامها في تمويل الأحزاب السياسية، وفقًا لمصادر مطلعة على المناقشات.
وقالت الوزارة المعنية إن تفاصيل هذا الحظر سيتم تحديدها ضمن مشروع القانون.
ويأتي الاهتمام بهذه المسألة وسط مخاوف من صعوبة تتبع مصدر التبرعات المشفرة، وهو ما يثير قلق الخبراء بشأن إمكانية استخدام العملات الرقمية لتمويل الأحزاب عبر قنوات غير قانونية، بما في ذلك التبرعات الأجنبية، أو الأموال الناتجة عن الجريمة وغسيل الأموال.
وتشير التقارير إلى أن العملات المشفرة أصبحت ساحة جديدة للتدخل الأجنبي، حيث تستخدم روسيا والجهات الاستخباراتية التابعة لها الأصول الرقمية للتهرب من العقوبات الدولية وتمويل أنشطة زعزعة الاستقرار، كما حدث في الانتخابات المولدوفية بعد انقطاعها عن النظام المصرفي العالمي إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأدت هذه المخاوف إلى ضغط من أعضاء البرلمان، بينهم وزير مكتب مجلس الوزراء بات ماكفادين ورئيس لجنة الأعمال المختارة ليام بيرن، بالإضافة إلى فيل بريكل من حزب العمال، لدعم حظر التبرعات بالعملات المشفرة، إلى جانب تعزيز الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية ومكافحة التلاعب الأجنبي.
وعلى صعيد داخلي، شهد حزب فاراج تداعيات إضافية بعد سجن ناثان جيل، الرئيس السابق للإصلاح في ويلز وعضو البرلمان الأوروبي السابق، لأكثر من عشر سنوات بتهم تتعلق بالحصول على أموال مقابل تصريحات مؤيدة لروسيا في البرلمان الأوروبي. وأكد فاراج أنه يبعد نفسه عن أنشطة جيل، واصفًا إياه بـ”التفاحة الفاسدة” التي خانته.
في الوقت نفسه، حث حزب العمال زعيم حزب الإصلاح على فتح تحقيق داخلي حول أنشطة جيل، في إطار جهود أوسع لضمان الشفافية والرقابة على التمويل السياسي في المملكة المتحدة.
وقال متحدث باسم وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي، المسؤولة عن مشروع القانون: “نظام التمويل السياسي الذي ورثناه ترك ديمقراطيتنا عرضة للتدخل الأجنبي. إن قواعدنا الجديدة الصارمة بشأن التبرعات السياسية ستضمن حماية الانتخابات البريطانية، مع الحفاظ على قدرة الأحزاب على تمويل نفسها بطريقة قانونية وشفافة”.
ويُتوقع أن يشتمل مشروع القانون على شروط إضافية لتشديد التبرعات من الشركات الوهمية والجمعيات غير المسجلة، وقد يُلزم الأحزاب بتقييم مخاطر التبرعات لضمان عدم استخدامها للتدخل الأجنبي، ما يعكس اهتمام الحكومة بتقوية نزاهة العملية الانتخابية في المملكة المتحدة.
في هذا السياق، يبقى حزب فاراج في مركز النقاش السياسي حول مستقبل التمويل السياسي الرقمي في بريطانيا، حيث يُنظر إلى العملات المشفرة على أنها ساحة جديدة للصراع بين الابتكار المالي وحماية الديمقراطية.

