
بعد خطوة هدفت إلى تسهيل عمل شركات الذكاء الاصطناعي في أوروبا، يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد تسبب في فوضى قانونية جديدة، وسط مخاوف من عدم اليقين بشأن القواعد التنظيمية الأساسية.
فقد وافقت المفوضية الأوروبية مؤخرًا على تأجيل تطبيق عنصر رئيسي من قانون الذكاء الاصطناعي التاريخي للاتحاد، في استجابة لضغوط صناعة التكنولوجيا، التي طالبت بمزيد من الوقت للامتثال لمتطلبات القانون قبل الموعد النهائي.
ودخل القانون حيز التنفيذ رسميًا عام 2024، لكن أحكامه كانت تُطبق تدريجيًا، وكان من المقرر أن تُطبَّق القواعد النهائية الخاصة بالأنظمة عالية المخاطر في أغسطس/آب 2026.
وأثار قرار المفوضية ردود فعل متباينة. فقد اعتبرت الشركات والخبراء أن التأجيل يمنحها فرصة للحاق بالركب في السباق العالمي لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنهم حذروا من أن الطريقة التي تم بها التعامل مع القرار قد تؤدي إلى فوضى قانونية وفقدان اليقين الضروري للشركات للتخطيط بشكل فعّال.
وقال باتريك فان إيك، الشريك في شركة كولي للمحاماة، إن الوضع الحالي يشبه “فوضى تنظيمية خالصة”، موضحًا أن الشركات تواجه صعوبة في معرفة كيفية التخطيط لأن الموارد المخصصة للامتثال قد تصبح غير مجدية إذا تغيرت القواعد مرة أخرى.
وأضاف: “مهما فعلتم الآن، فقد لا يكون منطقيًا بعد ذلك، أو قد يكون مبكرًا جدًا”.
ويتعين تعديل القانون الآن وإقراره من قبل البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يستغرق وقتًا أطول من المتوقع. وأشارت المفوضية إلى أن التأخير قد يمتد إلى 16 شهرًا، رغم احتمال تقصيره إذا تحركت المعايير الفنية بسرعة أكبر.
من جانبها، قالت سيسيليا بونفيلد دال، المديرة العامة لمجموعة الضغط “ديجيتال يوروب”: “خطر الهاوية التنظيمية حقيقي للغاية”، مؤكدة أن حجم التعديلات المطروحة يجعل من المستحيل اعتماد المشروع بالكامل في الوقت المناسب قبل الموعد النهائي.
وأضافت الباحثة لورا كارولي: “إذا لم يتم اعتماد التبسيط الشامل بحلول 2 أغسطس 2026، فإننا نخاطر بالوصول إلى موقف يتم فيه تطبيق القواعد الأصلية لبضعة أشهر فقط، مما يخلق المزيد من المشاكل القانونية”.
وبالرغم من ذلك، قد تختار بعض الشركات المضي قدمًا في برامج الامتثال لتجنب أي مخاطر، وفقًا لباري سكانيل، شريك في قسم التكنولوجيا بشركة المحاماة ويليام فراي: “النصيحة هي الاستمرار في فعل ما تفعلونه، لأن المضي قدمًا هو أحد السبل للتعامل مع الفوضى الحالية”.
من جهتها، أكدت المفوضية الأوروبية أن لديها الثقة في قدرة المشرعين على التوصل إلى اتفاق سريع قبل الموعد النهائي في أغسطس/آب 2026، مشيرة إلى أن التأخير المؤقت لا يعني توقف العمل بشكل كامل، ويمكن منح الشركات مهلة امتثال مدتها ستة أشهر بين أي تاريخ من أغسطس 2026 وحتى ديسمبر 2027.
لكن الخبراء حذروا من أن هذه المرونة قد تكون غير كافية. وقال فان إيك: “ستة أشهر ليست كافية”، فيما أشار عضو البرلمان الأوروبي سيرجي لاجودينسكي إلى أن التأخير المتغير بشكل مستمر يجعل التخطيط القانوني للشركات شبه مستحيل، مؤكّدًا أن الوضع الحالي يخلق حالة من عدم اليقين بدلًا من الوضوح المطلوب للعمل في بيئة تنظيمية مستقرة.
ومع قرب الموعد النهائي، يبقى السؤال قائمًا حول قدرة الاتحاد الأوروبي على ضمان استقرار قانوني يسمح لشركات الذكاء الاصطناعي بالتوسع والابتكار دون مخاطر قانونية كبيرة، وسط سباق عالمي متسارع لتطوير هذه التقنيات.



