بوتن والوسطاء الأمريكيون: موسكو تفرض شروطها على السلام في أوكرانيا

في مشهد يعكس الدبلوماسية الروسية التقليدية المزيجة بين المماطلة والتحكم، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنر، في الكرملين يوم الثلاثاء، وسط محادثات طويلة حول إنهاء الحرب المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات في أوكرانيا.
وبدأ اللقاء المثير للجدل بتأخير متعمد، حيث جعل بوتن ضيوفه الأمريكيين ينتظرون عدة ساعات قبل الاجتماع الرسمي.
وأثناء انتظارهم، تجول ويتكوف وكوشنر في موسكو، واستمتعا بالغداء في مطعم راقٍ، بينما كان الرئيس الروسي يخاطب الصحافة في منتدى استثماري، موجهًا أصابع الاتهام إلى أوروبا قائلاً إن الدول الأوروبية تتحمل المسؤولية عن إعاقة جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة.
وأكد بوتن في تصريحاته: “لا نخطط لشن حرب على أوروبا، ولكن إذا قررت أوروبا بدء حرب، فنحن مستعدون الآن”، في رسالة تهديد واضحة تظهر استعداد روسيا لأي تصعيد محتمل.
وقد سعى بوتن من خلال هذه التصريحات إلى تحويل التركيز بعيدًا عن موسكو وإلقاء اللوم على الاتحاد الأوروبي في حال فشل أي اتفاق، مستبعدًا الدول الأوروبية بشكل ملحوظ من الاجتماع.
واستمرت المحادثات في الكرملين حتى ما بعد منتصف الليل، في حين وصف كبار مساعدي بوتن الاجتماع بأنه “مثمر” و”موضوعي”، مع الإشارة إلى أنه “لا يزال هناك الكثير من العمل” لإنهاء الحرب.
وصرح مساعد بوتن يوري أوشاكوف قائلاً: “نحن لسنا أبعد عن السلام، هذا أمر مؤكد”، في محاولة لتقديم رسالة إيجابية عن فرص التوصل إلى حل، رغم الثوابت الصارمة التي يصر عليها الكرملين.
وتأتي هذه الزيارة في إطار مساعي ترامب الأخيرة لإضفاء زخم جديد على جهود وقف إطلاق النار، من خلال خطة مكونة من 28 نقطة، تم تسريبها سابقًا، وتظهر انحيازًا واضحًا لموسكو، حيث تضمنت مطالب من أوكرانيا بالتخلي عن الأراضي في شرق البلاد التي لم تحتلها القوات الروسية بعد، والتأكيد على عدم سعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
وقد أثارت هذه الخطط قلق المسؤولين الأوروبيين، الذين شعروا بإقصائهم من مسار السلام، في حين حاول ترامب دفع كييف لقبول بعض التنازلات.
ورغم ذلك، لم يظهر بوتن أي مؤشرات على التراجع عن مطالبه، وواصل موقفه المتصلب الذي يرفض التنازل عن أي مصالح استراتيجية لروسيا.
وقد وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذه المحادثات بأنها “ربما أصعب لحظة في تاريخ أوكرانيا”، لكنه أكد على انفتاحه للحوار، ما يعكس الضغوط التي تواجهها كييف في ظل الوساطة الأمريكية المعقدة والميل الواضح لموسكو في صياغة اتفاقيات السلام.
وتشير التحليلات إلى أن بوتن يستخدم هذه الاجتماعات كوسيلة للمناورة الدبلوماسية، حيث يمارس الضغط النفسي على المبعوثين الأمريكيين، ويستعرض القوة الاستراتيجية الروسية، ويترك مهمة المفاوضة للآخرين، بما في ذلك ترامب وكوشنر، لتقديم مبادرات السلام.
وأكدت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة الاستشارات السياسية “آر بوليتيك”، أن بوتن “مستعد للسلام، بشروطه فقط”، وأنه قد عرض كل شيء مرة أخرى، متيحًا للمجتمع الدولي اتخاذ القرار النهائي بشأن إنهاء الحرب.
وفي السياق نفسه، كرر يفغيني بوبوف، عضو مجلس الدوما والشخصية الإعلامية المقربة من الكرملين، أن أي اتفاق يجب ألا يقوض الأمن الروسي، في رسالة واضحة إلى كل الأطراف بأن موسكو لن تتنازل عن أي مصالح استراتيجية، مهما كانت الضغوط الدولية.
وتظل المحادثات الأمريكية الروسية في موسكو خطوة مضطربة في جهود إنهاء حرب أوكرانيا، حيث تتشابك المصالح الدولية والإقليمية، ويستمر بوتن في استخدام الدبلوماسية كأداة للضغط والسيطرة، بينما تتحرك الولايات المتحدة ووسطاءها بين دعم كييف ومحاولة تحقيق تسوية مع موسكو، في حين يبقى الاتحاد الأوروبي في موقع ثانوي إلى حد كبير، مستهدفًا باللوم على إخفاقات السلام المحتملة.
ويسلط الاجتماع الأخير الضوء على أن طريق السلام في أوكرانيا لا يزال محفوفًا بالصعوبات، وأن أي تقدم يتطلب توازنًا دقيقًا بين مصالح القوى العظمى وموقف الكرملين المتشدد، في لعبة استراتيجية معقدة تتجاوز مجرد الوساطة الأمريكية، لتشمل النفوذ الأوروبي والمخاطر العسكرية المحتملة على نطاق أوسع.



