تصاعد ردود الفعل ضد حملة “اشترِ المنتجات الأوروبية” وسط انقسام أوروبي متزايد

تصاعدت موجة من الانتقادات داخل الاتحاد الأوروبي ضد حملة “اشترِ المنتجات الأوروبية” التي أطلقتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في وقت تستعد فيه بروكسل لإدراج التوجيهات العملية لهذه المبادرة ضمن قانون تسريع الصناعة المقرر الإعلان عنه هذا الأسبوع.
ورغم أن المفوضية ترى في الحملة خطوة لحماية الصناعات الأوروبية من المنافسة الأميركية والصينية، فإن دولاً أوروبية عديدة باتت تعبر صراحة عن رفضها.
ويكشف الجدل المتصاعد بحسب مراقبين، عن رؤى متباينة جوهريًا حول مستقبل المنافسة الأوروبية وكيفية حماية القارة من الضغوط الاقتصادية العالمية، في ظل الدعم الأميركي الهائل للصناعة وأيضًا هيمنة المنتجات الصينية منخفضة التكلفة في قطاعات الطاقة والرقميات.
معارضة تقودها التشيك وتضم تسع دول
فور تسريب تفاصيل الحملة وموقعها ضمن القانون الصناعي الجديد، بادرت مجموعة من تسع دول—بينها التشيك، إستونيا، فنلندا، أيرلندا، لاتفيا، مالطا، البرتغال، سلوفاكيا والسويد—إلى تسجيل اعتراض رسمي، محذّرة من أن تطبيق سياسة “التفضيل الأوروبي” في المشتريات العامة قد يتحول إلى سلاح يضرّ بالاتحاد أكثر مما يفيده.
وفي وثيقة موقف اطلعت عليها وسائل إعلام أوروبية، قالت الدول المعترضة إن فرض قواعد تفضيل غير متوازنة قد يزعزع الثقة في النظام التجاري العالمي، ويضرّ بصورة الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري موثوق.
وترى هذه الدول أن اقتصاداتها الصغيرة ستدفع الثمن الأكبر، لأنها تعتمد على المنافسة المفتوحة واختيار الموردين وفق الجودة والسعر وليس الجنسية.
مخاوف من تعزيز هيمنة الشركات الكبرى
ترى هذه الدول، إضافة إلى عدد من المجموعات الصناعية الأوروبية، أن المبادرة ستصبّ في مصلحة العمالقة الصناعيين في فرنسا وألمانيا، مما يقلل من قدرتهم على المنافسة، ويسمح لهم بفرض أسعار أعلى.
ويحذر منتقدون من أن النتائج قد تكون عكسية، بحيث يضعف أداء الصناعة الأوروبية بدلاً من تقويته، إذا تم إغلاق الباب أمام المنافسة الخارجية.
حتى بعض المستفيدين المحتملين من الحملة عبّروا عن قلقهم؛ إذ قال بيتر كوفلر من اتحاد رواد الأعمال الدنماركيين إن “بناء جدران واقية” سيؤدي إلى اقتصاد أوروبي من الدرجة الثانية غير قادر على مواجهة الأسواق العالمية بقوة.
تردد لدى الشركات الأوروبية وشركاء خارجيين
لم تقتصر الانتقادات على داخل الاتحاد الأوروبي. فقد التقى وفد من اتحاد الأعمال الياباني كيدانرين بمسؤولين في المفوضية لبحث تداعيات تطبيق تفضيل أوروبي صارم، على أمل ضمان إعفاء شركاء الاتحاد ذوي “التفكير المشترك” مثل اليابان من القيود المحتملة.
أما داخل أوروبا، فترى صناعات مثل قطاع التكنولوجيا (وفق موقف اتحاد أورجاليم) أن مبدأ دعم الصناعة المحلية مقبول، لكن المخاوف تتعلق بالبيروقراطية الثقيلة التي قد ترافق التنفيذ، في وقت تحاول فيه فون دير لاين تقليل الأعباء الإدارية.
من جانبها، تحاول المفوضية الأوروبية تهدئة المخاوف، إذ قالت ألكسندرا كورديكا من فريق السياسة الصناعية للمفوضية إن المبادرة ليست محاولة لعزل السوق الأوروبية، بل تهدف إلى توجيه المال العام نحو دعم الصناعة والوظائف الأوروبية في مواجهة القدرات الإنتاجية الهائلة للصين.
وأضافت أن الهدف ليس إغلاق السوق بل خلق ظروف منافسة عادلة، مع الإشارة إلى أن مستوى الدعم الحكومي الأميركي والصيني يفرض على أوروبا التحرك.
ويعكس هذا الانقسام المتصاعد داخل الاتحاد الأوروبي غياب توافق حول ما إذا كان المستقبل يتطلب حماية أكبر للسوق الداخلية أو على العكس إبقاء الأبواب مفتوحة أمام المنافسة العالمية لضمان التطور والابتكار.
ومع اقتراب الإعلان الرسمي عن قانون تسريع الصناعة، يبدو أن بروكسل تتجه نحو مواجهة داخلية مفتوحة، سيكون لها أثر مباشر على مستقبل السياسة الصناعية الأوروبية وشكل العلاقة التجارية للقارة مع القوى العالمية الكبرى.



