الجيش البريطاني يستعد لتخفيضات وسط صراع محتدم بين الدفاع والخزانة

رغم الوعود الكبيرة التي أطلقها رئيس الوزراء كير ستارمر بشأن تعزيز الإنفاق الدفاعي، يستعد الجيش البريطاني لسلسلة من التخفيضات المؤلمة نتيجة أزمة تمويل تضرب قلب المؤسسة العسكرية، وسط صراع مفتوح بين وزارة الدفاع ووزارة الخزانة حول خطة استثمارية توصف بأنها تاريخية لكنها حتى الآن بلا غطاء مالي واضح.
وقبل اجتماعه الأول مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع هذا العام، أعلن ستارمر أن بريطانيا سترفع إنفاقها الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، مع هدف طويل المدى بالوصول إلى 3.5% بحلول 2035، وهو تعهد رحّب به حلفاء الناتو باعتباره خطوة نحو تعزيز قدرات أوروبا الدفاعية في ظل التحديات العالمية.
لكن هذه الوعود تصطدم بواقع مالي مختلف تمامًا. فميزانية الحكومة الأخيرة، التي قدمتها المستشارة راشيل ريفز في 26 نوفمبر، لم تتضمن أي زيادات فعلية في الإنفاق الدفاعي، إذ ركزت على رفع الضرائب لتمويل التوسع في الإنفاق الاجتماعي، ما أثار إحباطًا متزايدًا في صفوف العسكريين.
وقال مسؤول دفاعي بريطاني “موقفنا أصبح ضعيفًا. لا يمكن الحديث عن قيادة أوروبا ونحن لا نملك ميزانية دفاع واضحة أصلاً.”
الخزانة والدفاع: معركة إرادات
تخوض وزارة الدفاع بقيادة جون هيلي معركة شرسة مع وزارة الخزانة حول خطة الاستثمار الدفاعي الجديدة، التي كان من المقرر إصدارها في الخريف، قبل أن تتأجل وقد تمتد حتى عام 2026، بحسب مسؤولين مطلعين.
السبب الرئيسي: فجوة تمويلية تعصف بالميزانية الحالية، تجعل من الصعب تمويل البرامج القائمة بالتوازي مع إطلاق عقود جديدة، خاصة مع ضرورة تخصيص 10% من الإنفاق لقدرات قتالية حديثة بموجب المراجعة الدفاعية الاستراتيجية.
وبحسب مصادر حكومية، استدعت وزارة الدفاع رؤساء البرامج واحدًا تلو الآخر لتبرير كل بند إنفاق — وهو ما اعتُبر مؤشرًا قويًا على أن التخفيضات قادمة، سواء عبر شطب قدرات معينة أو تأجيل مشروعات ضخمة.
وقال أحد كبار مسؤولي قطاع الدفاع: “في عام 2025 لا توجد أي أموال جديدة. الوزارة غارقة أصلًا في التزاماتها.”
تحذيرات من فجوة خطيرة في القدرات
ماثيو سافيل من المعهد الملكي للخدمات المتحدة حذّر من وجود “فجوة خفية” في الإنفاق، ستجبر الحكومة على اتخاذ قرارات صعبة، مضيفًا: “إذا أردنا تسريع تطوير القدرات الجديدة، لا بد من تخفيضات.”
أما أحد القادة العسكريين السابقين فكان أكثر صراحة، حيث اعتبر أن برامج الدفاع الحالية موجهة نحو ثلاثينيات القرن الحالي، بينما يحتاج الجيش إلى جاهزية فورية: “الميزانية الحالية محدودة للغاية… وهذا سيعرّض الجنود للخطر.”
ورغم نفي الحكومة لهذا الاتهام، فإنها أقرت بتأجيل مشاريع كبرى مثل برنامج المركبات المدرعة “أجاكس” بسبب مشاكل تتعلق بالسلامة والتمويل.
قلق سياسي داخلي وتداعيات خارجية
أثارت الأزمة مخاوف داخل حزب العمال، إذ يخشى النواب من التأثير الاقتصادي على الشركات الدفاعية في دوائرهم في حال تأخر العقود.
كما انتقدت المعارضة الحكومة لاعتبارها الرعاية الاجتماعية أولى من الدفاع، في وقت تصعد فيه روسيا نشاطها العسكري حول بريطانيا — بما في ذلك التوغل الأخير لسفينة التجسس الروسية “يانتار”.
وشدد عضو البرلمان العمالي كالفن بيلي على أن الحكومة تحتاج لإقناع الرأي العام بضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، قائلاً: “إذا لم نشرح للناس حجم التهديدات الخارجية، فلن نتمكن من منح التفويض السياسي لتعديل الميزانية.”



