فتحت المفوضية الأوروبية، يوم الثلاثاء، تحقيقًا رسميًا لمكافحة الاحتكار في ممارسات شركة جوجل، وذلك للتحقق مما إذا كانت الشركة الأميركية قد انتهكت قواعد المنافسة عبر استخدام محتوى ناشري الويب والفيديوهات المنشورة على منصة “يوتيوب” لتشغيل نماذجها للذكاء الاصطناعي دون تعويض عادل أو إذن مسبق من أصحاب المحتوى.
ويأتي التحقيق في وقت تتزايد فيه مخاوف المؤسسات الإعلامية الأوروبية من تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية على صناعة الأخبار، خصوصًا بعد طرح جوجل لنتائج بحث جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي تسبّبت في انخفاض ملحوظ في حركة التصفح نحو مواقع الأخبار.
وأوضحت المفوضية الأوروبية، في بيانها، أنها تشعر بقلق بالغ من احتمال قيام جوجل بفرض شروط غير عادلة على الناشرين ومنشئي المحتوى، بما يمنح الشركة أفضلية غير قانونية في سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وجاء في البيان: “هناك مخاوف من أن تكون جوجل قد استخدمت محتوى ناشري الويب لتقديم خدمات توليدية تعتمد على الذكاء الاصطناعي على صفحات نتائج البحث الخاصة بها، دون تعويض مناسب للناشرين، ودون منحهم القدرة على رفض استخدام محتواهم لهذه الأغراض”.
كما أشارت المفوضية إلى احتمال استخدام جوجل لمقاطع الفيديو والمحتوى الذي يحمّله المستخدمون على “يوتيوب” لتدريب نماذجها التوليدية، بما في ذلك أنظمة الدردشة الذكية وأدوات توليد النصوص، دون موافقة المبدعين أو منحهم خيار “الانسحاب” من عملية التدريب.
اتهامات متصاعدة وتدقيق رقابي مكثف
يأتي فتح التحقيق في سياق تشديد الاتحاد الأوروبي لتشريعات الرقابة الرقمية، وخاصة بعد فرض بروكسل غرامة تقارب ثلاثة مليارات يورو على الشركة الأميركية في سبتمبر الماضي بتهمة إساءة استغلال هيمنتها في سوق الإعلانات الإلكترونية.
وقد اقترحت جوجل حلولًا تقنية لمعالجة المخالفة، إلا أنها رفضت الدعوات الأوروبية المتزايدة، وعلى رأسها من مفوضة المنافسة تيريزا ريبيرا، لإجبار الشركة على الانقسام إلى كيانات أصغر لضمان المنافسة العادلة.
ويشكّل التحقيق الجديد خطوة إضافية نحو مواجهة توسّع شركات التكنولوجيا الكبرى في مجالات الذكاء الاصطناعي، وسط قلق متزايد من قدرة هذه الشركات على التحكم الكامل في البيانات والمحتوى المستخدم لتدريب النماذج الذكية، وغياب الشفافية بشأن كيفية استخدام تلك البيانات.
تأثير مباشر على الإعلام الأوروبي
يشير مراقبون إلى أن الخطوة الأوروبية جاءت بعد ضغوط متزايدة من غرف الأخبار والناشرين الذين يعانون من انخفاض حركة الزيارات إلى مواقعهم منذ إطلاق جوجل لميزة البحث القائمة على الذكاء الاصطناعي.
وتُظهر البيانات الأولية أن المستخدمين يحصلون على المعلومات مباشرة من “الملخصات التوليدية” التي تعرضها جوجل في أعلى صفحة البحث، دون الحاجة إلى زيارة المصادر الأصلية.
ويرى ناشرون أوروبيون أن هذا السلوك يشكّل “استيلاءً على المحتوى” وتهديدًا مباشرًا لنماذج أعمال الصحافة الرقمية التي تعتمد بشكل كبير على الإعلانات وحركة المرور القادمة من منصات البحث.
ورغم أن جوجل لم تصدر تعليقًا رسميًا بعد على التحقيق الجديد، إلا أن مصادر داخل الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن المفوضية مستعدة لاستخدام كامل صلاحياتها، بما في ذلك فرض غرامات ضخمة قد تصل إلى 10% من إجمالي إيرادات الشركة، أو في الحالات القصوى، إلزام الشركة بإجراء تغييرات جذرية في بنيتها التشغيلية.
ويأتي هذا التحقيق في لحظة حساسة تشهد تنافسًا عالميًا محمومًا حول الذكاء الاصطناعي، ما يجعل نتائج التحقيق الأوروبي ذات تأثير واسع على مستقبل نماذج الذكاء الاصطناعي التجارية في الأسواق العالمية.
