الدنمارك: من “حالة شاذة” في الهجرة إلى نموذج تتبناه أوروبا

بعد سنواتٍ من اعتبارها دولةً متشددة ومنبوذة داخل الاتحاد الأوروبي بسبب سياساتها الصارمة تجاه الهجرة واللجوء، تبدو الدنمارك اليوم وكأنها تحصد ثمار نهجها، بعدما تبنّت دول الاتحاد الأوروبي العديد من السياسات التي طالما دافعت عنها كوبنهاغن.
وقد وافق وزراء العدل والداخلية في الاتحاد الأوروبي على حزمة تدابير جديدة تمثل تحولًا جذريًا في فلسفة الهجرة الأوروبية، وتشمل إبعاد طالبي اللجوء المرفوضين بشكل فعال وإنشاء مراكز معالجة خارج حدود الاتحاد الأوروبي إلى جانب تفويض الدول الأوروبية بإقامة “مراكز إزالة” خارج أراضيها.
وتعتبر هذه الإجراءات متطرفة من قبل الأحزاب اليسارية الأوروبية، لكن كوبنهاغن ظلت تدعو إليها بإصرار حتى أصبحت الآن جزءًا من السياسة الأوروبية العامة.
منبوذة الأمس.. قائدة اليوم
صرح راسموس ستوكلوند، وزير التكامل الدنماركي (يسار وسط)، والذي ترأس المفاوضات خلال رئاسة الدنمارك لمجلس الاتحاد الأوروبي، بأن الاتفاق كان “قيد الإعداد منذ سنوات”.
وكشف أن الديمقراطيين الاجتماعيين الأوروبيين كانوا يرفضون لقاءه قبل عقد من الزمن، لأن موقف حكومته كان “متشددًا أكثر من اللازم”.
لكن هذه النظرة تغيّرت جذريًا خلال السنوات الأخيرة، في ظل ضغط شعبي متزايد على الحكومات الأوروبية لإحكام السيطرة على الحدود.
ولحظة إبرام الاتفاق داخل المجلس كانت مليئة بالارتياح: احتضانات، ابتسامات، وثناء متبادل على الدبلوماسية الدنماركية والمفوضية الأوروبية، خصوصًا رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين.
تغيّر السويد.. ووراءها أوروبا
السويد، التي كانت تُصنَّف كأكثر الدول الأوروبية انفتاحًا على الهجرة، تبنّت بدورها نهج الدنمارك، عبر تقليص لمّ الشمل وتشديد الحصول على الجنسية وتخفيض مزايا المهاجرين الجدد.
وقال وزير الهجرة السويدي يوهان فورسيل إن الاتفاق “ضروري لحفظ الثقة الشعبية في نظام الهجرة”.
وأضاف: “علينا أن نظهر أن النظام يعمل… وهذه مسؤولية أوروبية مشتركة”.
ويقول ستوكلوند إن الحكومات الأوروبية أدركت أنها ستواجه صعودًا شعبويًا كاسحًا إذا استمرت في تجاهل مطالب الناخبين بضبط الحدود.
كما أن قانون اللجوء والهجرة الأوروبي الجديد، الصادر قبل عامين، فتح الباب أمام إصلاحات أعمق.
تفاصيل القواعد الجديدة
وافقت الدول الأعضاء على قواعد تسمح بترحيل طالبي اللجوء إلى “دول معالجة” خارج الاتحاد حتى لو لم تكن هناك صلة مباشرة بين المهاجر وتلك الدولة ورفض طلبات اللجوء تلقائيًا إذا كان المتقدم قد حصل على حماية في بلد ثالث يعتبره الاتحاد الأوروبي آمنًا.
وتشمل قائمة مشتركة للدول الآمنة بنغلاديش، كولومبيا، مصر، الهند، كوسوفو، المغرب، تونس، وغيرها مع عدم منح الحق التلقائي بالبقاء أثناء الاستئناف، وهو تغيير جوهري في قواعد اللجوء.
ويستثنى الاتفاق حالات خاصة مثل أوكرانيا بسبب ظروف الحرب على أن تنتقل الحزمة التشريعية إلى البرلمان الأوروبي لمفاوضات نهائية، حيث من المتوقع أن تشهد جدلًا محتدمًا بين الكتل السياسية.
لكن الاتجاه العام في أوروبا واضح: الهجرة لم تعد ملفًا ليبراليًا، بل قضية أمن داخلي تُشكّل مستقبل السياسة الأوروبية.



