رئيسيشئون أوروبية

على الرغم من الإنفاق القياسي.. بولندا عاجزة عن بناء جيشها محليًا

تواصل بولندا دفع مليارات الدولارات لتحديث جيشها وتعزيز قدراته في مواجهة التهديد الروسي، لكنها رغم كونها أكبر دولة أوروبية إنفاقًا عسكريًا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ما تزال تعتمد بشكل شبه كامل على السلاح الأجنبي، في ظل ضعف الصناعة الدفاعية المحلية التي تعجز عن تلبية الطموحات الحكومية المتصاعدة.

فمنذ عام 2019، أنفقت وارسو ما يقارب 150 مليار يورو على قواتها المسلحة، وهي طفرة إعادة تسلح تُعد من بين الأكبر في أوروبا.

وتعتزم الحكومة رفع الإنفاق العسكري هذا العام إلى 186.6 مليار زلوتي (44 مليار يورو)، في إطار استراتيجية تهدف إلى بناء واحد من أقوى الجيوش الأوروبية، وتعزيز الردع على الجبهة الشرقية لحلف الناتو.

ورغم ضخامة التمويل، فإن الشركات البولندية لا تحصد إلا جزءًا صغيرًا من هذه الموازنات. فمعظم العقود الضخمة تذهب إلى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، نظراً لافتقار بولندا إلى التكنولوجيا اللازمة لتصنيع أنظمة متقدمة للدبابات والطائرات والصواريخ.

وتشمل المشتريات الضخمة الأخيرة ما يصل إلى 1000 دبابة K2 Black Panther الكورية وأكثر من 350 مدفع هاوتزر K9 Thunder و48 طائرة مقاتلة FA-50 خفيفة وبطاريات باتريوت للدفاع الجوي و300 دبابة M1A1 Abrams و32 مقاتلة F-35 إلى جان 96 مروحية هجومية Apache AH-64E وغواصات Saab A26 السويدية.

ويتحول هذا الاعتماد الكبير على الخارج إلى مشكلة سياسية حساسة داخل بولندا.

فقد أكد رئيس الوزراء دونالد توسك مؤخراً أن بلاده “لن تكون مجرد صندوق مليء بالمال للشركات الأجنبية”، مشدداً على ضرورة بناء قاعدة صناعية محلية قادرة على التصدير.

وترجع جذور المشكلة إلى الإرث الصناعي الضعيف الذي خلفه الاتحاد السوفيتي، حيث كانت دول حلف وارسو متخصصة في أجزاء محدودة من الإنتاج العسكري، دون تطوير صناعات متكاملة.

وقد تخصصت بولندا في الدروع والرادارات، لكنها لم تنتج محركات متطورة أو إلكترونيات دقيقة أو ذخائر حديثة.

وبعد سقوط الشيوعية، تقلّصت ميزانيات الدفاع وانهارت الكثير من منشآت الصناعة العسكرية، لتبقى حتى اليوم في حالة تراجع شديد.

وتشير تقارير الصناعة إلى أن العديد من مصانع PGZ – المجموعة الدفاعية الحكومية العملاقة – ما تزال تعمل داخل مبانٍ قديمة من الثمانينيات، أجهزة التدفئة فيها متهالكة، والورشات تتوقف عن العمل شتاء بسبب البرد القارس.

وقد حققت بولندا بعض التقدم في مجالات محدودة مثل الطائرات المسيّرة وأنظمة الرادار. وتستعد لإطلاق أول “حاجز وطني مضاد للطائرات بدون طيار” خلال أشهر، في خطوة يُمكن أن تمنح الصناعات المحلية مساحة تنافسية صغيرة.

لكن هذه الجوانب تبقى استثناءً. ففي معظم المجالات الكبرى – الدبابات الحديثة، صواريخ الدفاع الجوي بعيدة المدى، الذخائر المتقدمة – لا تزال بولندا تعتمد كلياً على التكنولوجيا الأجنبية.

وحتى الذخيرة، التي أصبحت أولوية بعد الحرب في أوكرانيا، تعاني من ضعف القدرة الإنتاجية. إذ تسعى وارسو لإنتاج مئات الآلاف من قذائف 155 ملم سنويًا، بينما لم تستطع سابقاً تجاوز بضعة عشرات الآلاف.

ومكن الإنفاق الهائل بولندا من تسريع عملية التحديث العسكري، لكنه لم ينجح بعد في تحويل البلاد إلى قوة صناعية دفاعية.

وبحسب تقرير معهد بولاسكي، فإن “الوصول إلى مستوى التكنولوجيا لدى الدول الرائدة قد يستغرق سنوات، إن لم يكن عقوداً، وسيكلف مليارات الدولارات”.

وفي وقت تحاول فيه الشركات البولندية مثل مجموعة WB إيجاد موطئ قدم في سوق الطائرات المسيّرة، يبقى الطريق نحو صناعة دفاعية متكاملة طويلاً وشاقاً، ما يجعل بولندا حتى الآن “قوة عسكرية كبرى… بصناعة دفاعية صغيرة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى