رئيسيشئون أوروبية

فرنسا تطالب بتأجيل التصويت الحاسم على اتفاقية الاتحاد الأوروبي–ميركوسور

دعت فرنسا رسميًا إلى تأجيل التصويت الحاسم داخل الاتحاد الأوروبي على اتفاقية التجارة مع تكتل دول أمريكا الجنوبية (ميركوسور)، في خطوة تهدد بتوجيه ضربة قوية لاتفاقية استغرق التفاوض بشأنها أكثر من 25 عامًا، وتوسّع الانقسام داخل التكتل الأوروبي حول واحدة من أكثر الصفقات التجارية إثارة للجدل في تاريخه الحديث.

وقالت الحكومة الفرنسية، في بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو، إن باريس تطالب بـ«تأجيل المواعيد النهائية المقررة في ديسمبر»، بهدف مواصلة العمل على ما وصفته بـ«الحماية المشروعة التي تحتاجها الزراعة الأوروبية».

وجاء هذا الموقف ليؤكد تقارير سابقة تحدثت عن مساعٍ فرنسية لتعطيل الجدول الزمني الحالي للتصويت.

ويأتي هذا التطور في وقت بدا فيه الاتحاد الأوروبي قريبًا من إتمام الاتفاق مع دول ميركوسور الأربع: البرازيل، الأرجنتين، أوروغواي، وباراغواي، وهو اتفاق من شأنه إنشاء سوق مشتركة تضم أكثر من 700 مليون نسمة، ويفتح آفاقًا واسعة للتجارة والاستثمار بين الجانبين.

غير أن الموقف الفرنسي يهدد بإرباك هذا المسار، خاصة أن الدنمارك، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، كانت قد تعهدت بإجراء التصويت في الوقت المناسب، بما يسمح لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالسفر إلى البرازيل في 20 ديسمبر لتوقيع الاتفاقية رسميًا.

وتحذر عدة دول أوروبية من أن أي تأجيل جديد قد يؤدي فعليًا إلى نسف الاتفاق، في ظل مخاوف من أن يمنح ذلك زخمًا إضافيًا للمعارضة داخل البرلمان الأوروبي، أو يعقّد المشهد السياسي عندما تنتقل رئاسة تكتل ميركوسور من البرازيل إلى باراغواي، التي تُعرف بموقفها المتشكك من الاتفاقية.

في المقابل، ترى الدول المؤيدة للصفقة، وفي مقدمتها ألمانيا والسويد وإسبانيا، أن المخاوف الفرنسية قد جرى التعامل معها بالفعل.

وتشير هذه الدول إلى مجموعة من الضمانات الإضافية التي جرى التفاوض عليها، والتي تهدف إلى حماية المزارعين الأوروبيين في حال حدوث زيادة مفاجئة في واردات لحوم البقر أو الدواجن من أمريكا اللاتينية.

لكن باريس لا تزال غير مقتنعة. فبحسب الحكومة الفرنسية، لم تُستكمل بعد الصيغة النهائية لهذه الضمانات، ولا آليات تطبيقها، ما يجعل دعم الاتفاق في هذه المرحلة محفوفًا بمخاطر سياسية داخلية كبيرة، خصوصًا في ظل النفوذ القوي الذي يتمتع به اتحاد المزارعين في فرنسا، وقدرته على التأثير في الشارع وصنّاع القرار.

وتخشى السلطات الفرنسية من أن يؤدي تمرير الاتفاق دون ضمانات ملموسة وقابلة للتنفيذ إلى موجة احتجاجات واسعة في الأوساط الزراعية، على غرار التحركات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة ضد سياسات التجارة الحرة والبيئة.

وفي محاولة لاحتواء هذه المخاوف، أعلنت المفوضية الأوروبية هذا الشهر عن خطط لتعزيز الضوابط الحدودية على واردات الأغذية والمنتجات الحيوانية والنباتية، بما يضمن التزامها بالمعايير الأوروبية الصارمة. غير أن فرنسا اعتبرت هذه الإجراءات غير كافية في صيغتها الحالية.

وجاء في بيان مكتب ليكورنو: «لا تزال هذه التطورات غير مكتملة، ويجب الانتهاء منها وتنفيذها بطريقة عملية وقوية وفعالة من أجل تحقيق آثارها الكاملة وتقديرها».

ورغم إصرار الدنمارك على المضي قدمًا في التصويت، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن المفاوضات النهائية بين الدول الأعضاء قد لا تُحسم قبل قمة القادة الأوروبيين المقررة يومي الخميس والجمعة من هذا الأسبوع.

ومن المتوقع أن يتزامن ذلك مع تنظيم احتجاج كبير للمزارعين في بروكسل، ما يزيد من الضغط السياسي على مؤسسات الاتحاد.

وحتى الآن، امتنعت المفوضية الأوروبية عن التعليق رسميًا على الطلب الفرنسي، في مؤشر على حساسية الملف وتعقيداته.

وبينما ترى بعض العواصم أن تأجيل التصويت قد يكون محاولة أخيرة لتحسين شروط الاتفاق، يحذر آخرون من أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام انهيار صفقة تاريخية طال انتظارها، في لحظة يسعى فيها الاتحاد الأوروبي لتعزيز حضوره الاقتصادي عالميًا في مواجهة منافسين كبار مثل الصين والولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى